إلى الوراء حكماً

فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

من محاولة إعادة تأهيل بشار الأسد عربياً، إلى ترشّح سيف الإسلام القذافي للرئاسة في ليبيا، إلى شطب الجيش للمكوّن المدني التغييري في السودان، فسياسات الحنين إلى البورقيبية للرئيس قيس سعيد في تونس… تُثبت البيئة الإسلامية العربية قدرة خلّاقة على العودة إلى الوراء.

الأسد بعدما حوّل “سوريا العائلة” إلى حديقة صغيرة يتقاسمها نواطير عدّة، يجد الآن من يمسك بيده للعودة إلى الحضن العربي، الفضفاض حمّال الأسيّة، بحجة أن لا بديل منه حتى الآن، وبالتالي، لماذا الوقوف على التفاصيل الدموية الوحشية لموت مئات الآلاف ونكبة الملايين من البشر؟ لكن ما زال “القيصر الأميركي” يعتبره “ديكتاتوراً وحشياً”، ولو أنه لا يمانع تمرير خطوط طاقة محدودة جداً، لزوم ديمومة “جيران مساكين”، مما يعني مبدئياً أنّ إعادة التأهيل تستلزم الكثير من الوقت والجهد بعد، فيما “القيصر الروسي” يراقب ولا يمانع أن يغطّي “الدخان” امتداد نفوذه ومصالحه على الأرض.

في ليبيا، التي تشطّرت بين جهات جغرافية وقبليّة عدة، فاختلط حابل ثوار بنغازي وطرابلس بنابل مجاهدي تورا بورا، ورثة الأخوان بسلفية فتوى الدم، كأنما وقف الزمن عند فوهات آبار النفط، وأنتجت المبادرات الكونية خواء حقيقياً وقيادات رمادية حتى صار ممكناً تخيّل المستحيل: عودة القذافي وعودة ليبيا إلى دوامة اللجان الثورية.

قيس سعيد في تونس، كان أول من بادر في الردّة بشمال أفريقيا. وإذا كان قد بدا لفترة أنّ هذا البلد مشحون بالإسلام  في سرّه، وفاض بـ”الأخوانية” في “ثورة الياسيمن”، إلا أنه ظلّ منفصم الشخصية بتوق كامن إلى بورقيبية مدنية، تبدأ عادة بعد منتصف العمر، كما الحبيب بورقيبة المؤسس وقيس سعيد “الختيار” الذي يحاول شطب “الحقبة الأخوانية” التي أكلت نفسها بسرعة على غرار “التوأم المصري”.

عمر حسن البشير، ضحك بصوت عال في سجنه. العسكر عادوا وعادت الرئاسة والثكنة في يد حملة السلاح. تجربة انتقالية من الحكم العسكري الذي رسّخه البشير خلال عقدين، بتوافق أولاً مع الأخواني الراحل حسن الترابي، ثم بتجاذب معه، فبالاقصاء، لتنتصر القبعة على العمامة، ثم لتسقط قبعة البشير حين فاض الشعب برغية التغيير والديموقراطية. كان الحل بخروج العسكر. الثورة لم تكتمل. والحل بقي هجيناً. مجلس سيادي متعدّد الألوان، حتى إذا أنس العسكر أنّ الأمر استتبّ لهم من جديد، أزاحوا “اللوم الباهت” لقوى التغيير المدنية. وأدرك قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أنّ التاريخ السوداني يتّسع بعد لأكثر من بشير ونميري وعبود.

شارك المقال