مفاوضات فيينا: واشنطن وطهران وأوراق الضغط

حسناء بو حرفوش

في ظلّ التوقعات حول استئناف المفاوضات بخصوص الملف النووي الإيراني في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، طرحت بعض التحليلات، وتحديداً الأميركية منها، تساؤلات حول فعالية السياسة التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وخلط الأوراق بين واشنطن وطهران تحضيراً لرفع كل من الأطراف أسهمه على طاولة المفاوضات في فيينا.

موقع “واشنطن تايمز” (Washington Times) سلط الضوء في مقال رأي على “حاجة بايدن الماسة للفوز في الانتخابات المقبلة على أساس نتائج استطلاعات الرأي ولذلك يسعى لاستئناف المفاوضات (…) لكن في غضون ذلك، سجلت إيران تقدماً باتجاه صناعة سلاح نووي (…) مما يجعل “إعادة ضبط” الوضع عملاً بالصفقة السابقة مستحيلاً من الناحية الفنية وغير منطقي ببساطة”. كما يسود اعتقاد أن “بايدن لا يملك النية الحقيقية لممارسة الضغط على إيران. وتكشف الاتصالات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أنه بالتزامن مع اقتراب حصول إيران على سلاح نووي، لا يبدو أن واشنطن تمتلك خطة بديلة باستثناء استعادة الصفقة القديمة. وبما أن بايدن يسعى بيأس للفوز، قد يميل إلى إعادة تفعيل الاتفاقية القديمة بكل بساطة، وذلك على الرغم من إدراكه أن الزمن عفا عليها، وأنها لن تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي في المستقبل. وصحيح أن مثل هذا “الإنجاز” قد يساعد في تعزيز أرقام استطلاعات الرأي الكارثية لبايدن، لكنه سيمثل في الوقت عينه خطوة هائلة في التعاطي الخاطئ مع إيران”.

هل فوتت واشنطن فرصة ذهبية؟

وفي السياق عينه، طرحت قراءة على موقع (Responsible Statecraft) السؤال التالي: “هل تشددت واشنطن في موقفها مع الحكومة الإيرانية السابقة والأكثر اعتدالاً، عندما سنحت لها الفرصة؟”. ووفقاً للقراءة، “كرر بايدن خلال حملته الرئاسية عدة مرات أن إدارته ستنضم بسرعة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن شيئا لم يتحقق حتى بعد مرور أكثر من عام على انتخابه. ويرجع ذلك في الغالب إلى رفض الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، عدا عن الدور الذي تؤديه الديناميات السياسية الداخلية لإيران والصراع على السلطة (…) وتحضّر كل من إيران والولايات المتحدة أوراقها لانتزاع التنازلات من الجانب الآخر في المفاوضات المقبلة.

وتراهن إدارة بايدن على الحال المزرية للاقتصاد الإيراني المترنح نتيجة العقوبات الأميركية القاسية، فضلاً عن الفساد الاقتصادي العميق ومعاناة الحكومة من عجز في الميزانية بعشرات المليارات من الدولارات (…) عدا عن معدل التضخم السنوي الذي يبلغ نحو 60% وفقدان العملة الإيرانية لقيمتها. وبالتالي، تحتاج إيران إلى تخفيف العقوبات الأميركية، وهذا ما تدركه إدارة بايدن. وعلى الرغم من الحالة المزرية لاقتصادها، لا تفتقر إيران لأي أوراق سياسية. وقد أحرزت منذ العام 2019، أي بعد عام من انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة (…)، تقدماً كبيراً في ثلاثة مجالات رئيسية من برنامج تخصيب اليورانيوم. ووفقاً لآخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قامت إيران بتركيب واستخدام عدد صغير من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي لا يسمح لها باستخدامها بموجب الصفقة النووية وأنتجت اليورانيوم (…) عند مستويات تخصيب أعلى من متوسط ​​3.65% المسموح به (…) لكن كل هذه المكاسب قابلة للعكس. إذ يمكن إزالة أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتخزينها؛ كما يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية تخزين اليورانيوم الذي يحتوي على مستويات أعلى من التخصيب وحمايته (…) ومع ذلك، تكتسب إيران الخبرة والمعرفة والأفكار حول عناصر المجالات الثلاثة المهمة، وبالتالي تعزيز الطبيعة المحلية لبرنامجها النووي.

ومع التحضير للعودة إلى المفاوضات، ترتفع بعض الأصوات (…) الداعية للتراجع عن المعاهدة وإنهاء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (…) إيماناً منها بأن الجمهوريين قد يفوزوا في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2024، وبأن الولايات المتحدة ستخرج مرة أخرى من خطة العمل الشاملة المشتركة، حتى ولو توصلت إيران إلى اتفاق مع إدارة بايدن. وبالتالي، لا جدوى بالنسبة للمتشددين من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. كما أنهم يعولون على الصين والاتفاقية الاستراتيجية التي وقعتها مع إيران في أيار الماضي، وكذلك على انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون في أيلول، التي تضم كلاً من الصين وروسيا في عضويتها، لإنقاذ إيران.

ويعتقد المفاوض الايراني محمد باقري أن إيران تخلت عن الكثير بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 ولم تتلق سوى القليل بالمقابل (…) ويعتقد بعض البراغماتيين من ضمن المتشددين في إيران أنه من الضروري التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، لأنهم يخشون المزيد من التدهور الاقتصادي في حال لم ترفع العقوبات، مما يدفع الناس وتحديداً الأكثر فقراً إلى التمرد على نطاق أكبر بكثير من تظاهرة تشرين الثاني 2019 الدموية بعد الزيادة المفاجئة في سعر البنزين. ومع ذلك، تقلق هذه الجهة من إضعاف قاعدة الدعم الاجتماعية للمتشددين والتي تقلصت بالفعل إلى حد كبير، في حال قدمت إيران الكثير من التنازلات.

ولذلك من المرتقب أن يطالب باقري في المفاوضات المقبلة واشنطن برفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، ودفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقتها عقوبات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بإيران، وضمان عدم فرض أي إدارة أميركية مستقبلية العقوبات مرة أخرى. كما سيعلن رفض التفاوض بشأن برنامج إيران الصاروخي وسياستها في الشرق الأوسط وقدرتها على تصدير النفط واستلام العائدات. كل هذا يوحي ظاهرياً لكن بشكل واقعي بأن إدارة بايدن لربما أضاعت فرصة التوصل إلى اتفاق مع إدارة روحاني في الربيع الماضي، وبأن التوصل لاتفاق مع المتشددين الإيرانيين لن يخلو من التعقيدات خصوصا في ضوء رؤيتهم الإيديولوجية للعالم. بالتالي، يحتاج الطرفان للتحلي بالمرونة والواقعية والاستعداد لتقديم التنازلات. أما بخلاف ذلك، من المحتمل ألا تفلح المساعي المبذولة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة”.

شارك المقال