لبنان المسيّر… نحو الثقب الأسود در!

الدوري
الدوري

تتكشف كل يوم خرافة الاستقلال اللبناني أكثر فأكثر… فأي عيد هو هذا وقد غابت حتى أبسط ملامح الحب والثقة بالوطن؟ أي عيد هو هذا وقد ظلّلت العلم أعلام غريبة خبيثة امتدت يدها حتى خنقت جذور الأرز حد الاقتلاع؟ أي عيد هو هذا ولم يبق للجيش أي احترام وأي هيبة ولم يبق للقضاء إلا سلطة مقوّضة بالابتزاز غب الطلب؟ بأي حال عادت ذكرى الاستقلال الوهمي ولبنان يصارع حتى اليوم تاريخاً مبعثراً من قصص بألف سرديّة وسرديّة أقلها تستدرجه في لحظات إلى حرب أهلية جديدة؟ وهذه ليست سوى إحدى التفاصيل القليلة التي ربما يمكن صفعها في كتيب مدرسي مزيف حول تعايش مزيف ووفاق مزيف وحرية مزيفة…

بأي حال عادت مواكبك يا عيد الاستقلال الخجول؟ وعلى أي أرض مسيرة سيسير عرضك العسكري؟ ومن الذي يقود أي عرض حقاً على هذه الأرض في الكواليس؟ في لبنان المسيّر، إن سارت ملّالة شرعية فوق الأرض، طلتها أيادي الجنود الشرفاء للمرة ما فوق السبعين، فقد عبرت تحتها صواريخ غير شرعية بالآلاف في أنفاق ربما وجدت وربما لم توجد وربما زرعت في لاوعي اللبناني ليس إلا ليخاف أكثر. في لبنان المسيّر، إن حلقت هليكوبتر شرعية قد دفع الجنود الشرفاء مما تيسر في جيوبهم لصيانتها، تغتصب سماءها المسيرات والغارات… وبين مسيّرة إيرانية وغارة اسرائيلية، على السيادة السلام. وفي البحر، لا يختلف الحال كثيراً. كثرت المعابر والغاية واحدة… لغم الاستقلال.

وبأي حال تقف هامات لبنان في هذا العيد؟ أي رأس ليس بمسيّر وأي كرسي ليس بمُمسمر على حقول ألغام وعلى قرارات معلبة وعلى خرائط مرسومة وتعيينات محسومة وبطاقات معونة مسمومة.

تعود مواكبك يا عيد الوطن ولن يتعلم مواطنوك الاطفال ان في ألوان علمك الكثير من القصص… فأحمر دمك قد فاض في النفوس والقلوب حد التجلط من التسلط، وبياض ثلجك شراشف استسلام وأرزك الحزين بين حريق في البيوت وجرائم في الجرود… وبعض الغصينات الساقطة في الريح بديل وقود.

لبنان المسيّر… بأي استقلال يحتفل الراحلون العالقون بين وهم الصمود والخوف من العودة، ليس إلا بسبب الارزة على الباسبور… بأي لعنة تحتفل؟ وبأي مستقبل تعد؟ أما بقي في الجيب ثمن لملابس العيد الوطني؟ ام لوقود العرض العسكري؟ ام لتكاليف الخطابات الرنانة؟ هل اعتدت “المونتاج” وعروض أشبه بـ”الروداج” على دروب السيارات الملغومة… بين “مرسيدس” سرق منها القدر هامة و”جي ام سي” بمواكب الرعب مولجة، هل من يضيء لشهدائك كلهم وبلا استثناء، أي شمعة؟ في ظلام كل الأيام الحالكة.

موكب الاستقلال هذا اتضحت معالمه منذ زمن… مواكب تشييع للحرية وللحق وللعدالة. جرح بيروت ينزف على طرفي العلم ومصائر المهاجرين معلقة على بياض المجهول… وشاهد القبر كبير كبير… ارزك الشامخ فقط ربما لان الطريق إلى المحور الآخر تمر بالسواحل…

لبنان المسيّر يحتاج لاعادة تعريف بعض المصطلحات في النشيد الوطني. أما ثبت ان “كلنا للوطن” تحتمل الكثير من الشك؟ لودّ كثر لو أن هذا الكلام مجرد لفتة شعبوية لكن في السريرة كم يذكر النشيد قبالة كل الشتائم المنهالة أمام مؤسسات التربية والصحة والمصارف وصولاً للحوانيت.

لودّ كثر لو أن “الشيخ والفتى” استجاباً لنداء الوطن لولا أن الشيخ يحاول جمع ثمن مدفن الفتى. أما عن “الاسد والفتن”… لعلها استشفت فجراً جديداً عزف فيه لبنان عن الحضارة ليغرق في مستنقع قصص الأفران وعزل فيه طوعاً وغصباً بانفصامه القاتل، عن المحيط الذي يشبهه. لبنان المسيّر… نحو الثقب الأسود العملاق… در!

عرض الاستقلال مواكب الشهداء الأحياء. الموتى قريبا. اللوائح المسجلة كأرقام وفيات عرضية. هؤلاء شهداء الابادة الجماعية بالفقر وبنقص الدواء وانقطاع الهواء. لطالما تنفس لبنان برئتي مهاجريه. وها هو قد يحتضر. موكب الاستقلال جنازة لبنان، بكباره وصغاره وبطوائفه وضيوفه. ان لم يدرك المتآمرون بعقول مادية خطر المرض اللبناني، لن يبقى من جسد هذه البقعة الصغيرة الهرمة سوى الدود والعفن… الزاحف نحو المزيد من الدمار!

شارك المقال