الاستقلال في لحظة الانكسار!

رامي الريّس

لا تقتصر هزالة عيد الاستقلال على إضمحلال الاحتفالات الفولكلوريّة أو تراجع حجم العرض العسكري الذي كان يبدأ الإعداد له قبل أشهر بما يتناسب مع طبيعة العيد الوطني أسوة بما هو معمول به في كل دول العالم. وعلى الرغم من أن لبنان لا يملك ترسانات عسكريّة ضخمة تضعه في مصاف الدول المتقدمة عسكريّاً، إلا أنه كان لذاك العرض رمزيته ودلالاته، وهو يُذكّر اللبنانيين والعالم بأن ثمّة دولة قائمة في لبنان حتى ولو كانت ضعيفة وغير مكتملة العناصر في بعض المجالات أو أنها تمارس أداء هشاً في بعض المجالات الأخرى.

ولكن في كلتا الحالتين، كانت الدولة من رئيسها إلى كبار المسؤولين فيها يشاركون في العرض العسكري ويقدمون صورة جامعة إلى اللبنانيين، ويلي ذلك استقبال في القصر الجمهوري للكتل النيابيّة والوزراء والسفراء والقضاء وكبار الموظفين والهيئات الاقتصاديّة والعماليّة وسواها.

المهم في هذه العجالة ليس استذكار تلك المشاهد التي اندثرت، أو البكاء على نواحيها الفولكلوريّة أو الشكليّة، إنما البكاء على شبه الدولة التي كانت قائمة وتلاشت وهي تنازع قبل السقوط الأخير الذي لن يكون مدوياً لأنه يحصل بصورة تدريجيّة بطيئة. رويداً رويداً، تفقد الدولة مزاياها ووظائفها وأدوارها المفترضة.

في قرار الحرب والسلم، ثمة من يقرر عنها. في الاقتصاد والمجتمع، ثمة من يقرّر عنها أيضاً. في إقفال كل منافذ الاصلاح السياسي، ثمّة من يحجب هذا المسار لمواصلة سياسة اللعب على الأوتار الطائفيّة والمذهبيّة. في الفقدان التدريجي للميزات التفاضليّة التي كان يتمتع بها لبنان، ليس ثمّة من يسأل أو يحرّك ساكناً.

صحيحٌ أن الاستقلال لم يكن يوماً ناجزاً في لبنان بفعل الاختراق المتمادي للساحة المحليّة وغياب الاتفاق على الثوابت الوطنيّة والخيارات الكبرى. والصحيح أيضاً أنه ليس ثمّة استقلال كامل غير منقوص بالمعنى الحرفي للكلمة في أي دولة في العالم. ولكن الصحيح كذلك أن هوامش السيادة والاختراق تتفاوت من موقع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. لبنان يتصدّر قائمة الدول التي تُصادر سيادتها من أطراف مختلفين في الداخل والخارج.

المطلوب اليوم الابتعاد عن صياغة الأدبيات اللفظيّة المنمّقة في مقاربة ذكرى الاستقلال الوطني والتوجه نحو البحث المعمق في كيفيّة استعادة الاستقلال المنهوب والمصادر من قوى الأمر الواقع التي تقبض على مفاصل القرار الوطني اللبناني وتأخذه في الاتجاهات التي تتلاءم مع مصالحها بمعزل عما إذا كانت تتقاطع أو تتناقض مع المصلحة الوطنية.

في لحظة الانكسار السياسي والاقتصادي، يبدو أن التشظّي سيكون وقعه أكثر إيلاماً ممّا يتوقعه البعض.

شارك المقال