كنت أبحث عن رجال غير محترمين مروا بتاريخ البشرية حكاماً غيّروا بكل شيء في بلادهم نحو الاسوأ. فوقع امامي موبوتو الذي حكم الكونغو عام 1966 بعد استيلائه على السلطة وغيّر اسمها الى زائير كما غيّر اسمه من جوزف (اي يوسف بالعربي) الى سيسي-سيكو-كوكو-كلامي-نفاغدور-وازابانجار ومعناه باللغة الزائيرية “الاسد الهزبر (الكاسر) الذي لا يخشى احداً”.
هذا الضابط الذي اغتصب السلطة في عتمة ليل افريقية من دون انتخابات ولا تصويت ولا برلمان ولا مَن يحزنون! وأهان الشرعية، وسطا على حقوق شعبٍ بكامله. شعبٌ حضاري عظيم، كان رمزه ووردته باتريس لومومبا ثائر افريقيا العظيم.
هذا الضابط يذكّرنا بعصا حسني الزعيم وطرابيش بني عثمان، الضابط المرتشي الذي أفقر بلده الغني ووضع نفسه فوق شعبه، وفوق الدساتير “وتحت الشبهات” ونحر خصومه وذبح معارضيه… وكاد يلتهم جثثهم.
لم يحترم شرعة حقوق الانسان، ولا مقررات الامم المتحدة ولا حتى البند الأخير من وثيقة هلسينكي. وقد لف البرلمان بعصاه وحصر السلطة بهزة رأسه الى الوراء رافضاً كل ما يخالف رأيه. لا يحسب حساب “الزمن الاخير”.
يطل على شاشة التلفزيون ليطمئن شعبه بأنه معهم، صورته معلقة على كل حائط وفي كل متجر ودائرة رسمية وبخاصة وعلى الصفحة الاولى من الجريدة الوحيدة التي يفرضها على الناس.
كان يظن نفسه بوسامة المرحوم كلارك غيبل، من افلامه “حدث ذات ليلة” الذي يذكّرنا بما حدث ذات ليلة، و”تمرّد على السفينة بونتي” لكني أفضل من أفلامه “ذهب مع الريح”، بالمناسبة انا لست قديماً لهذا الحد بل مَن أقصده هو بهذا القِدَم.
كان يتمختر كأنه احد سلاطين بني عثمان وهم في عزّهم. لا يخجل، يكره الناس لأنهم غير مؤمنين بكفاءاته ولا منسجمين مع وسامته. كان مصاباً بمرض الوسوسة. ينام محاصراً من حرسه، يتوهّم ان صحته معرّضة دائماً للخطر بسبب الجماهير التي لا تحبه. لا يطالع الا تقارير المخبرين وجلّهم من سفلة القوم.
كان يركب طائرة خاصة سرق ثمنها من حساب شعبه. كان سخيفا في عز حربه ضد “اليسار الدولي”، وأبرق الى وزارة الدفاع الاميركية يطالب بطائرات شحن “بيبسي كولا” لانها تقوي معنويات جنوده!
كان يدّعي انه منقذ افريقيا من القهر والتخلف ويعمل على الإصلاح الدائم والتغيير الكلي، ومع ذلك مات ربع شعبه من عقص ذباب “تسي تسي” المنوّم والمخدّر.
كانت ثروته في مصارف اوروبا واميركا… وكان دائماً يطلب المعونات! شحاذ كان يطوف على عواصم الدنيا وشعاره ساعدونا…
رحل ذاك المستبد السخيف وزاح عن كاهل شعبه في نهاية العام 1977،
اللهم لا تحرمنا هذه المتعة. واستجب لرجائنا.