هل تمهد مواصفات عون عن خليفته للفراغ بسلاح الـ”مئة ألف مقاتل”؟

وليد شقير
وليد شقير

منذ بدأ التداول بسيناريوات الفراغ في المؤسسات الدستورية يتردد قبل أسابيع ويُكتب عنه ويخضع للتحليل والتمحيص، لم يكن لدى أي من الأوساط السياسية قناعة راسخة بأنه قابل للتحقيق أو أنه واقعي بما يكفي من أجل القول بمعقولية حصوله.

السيناريوات التي جرى التداول بها قضى أحدها وفق معطيات المتخوفين منها، أن يحصل الفراغ بالتسلسل، بدءاً بحصول ما يحول دون الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري قبل انتهاء ولاية البرلمان الحالي في 21 أيار المقبل، فلا يتم التمديد له قبل انتهائها، وأن يعقب ذلك فراغ حكومي بأن تستقيل الحكومة لسبب ما كأن يخرج منها فريق وازن بعد فقدانها “الميثاقية” التي باتت الذريعة المخترعة منذ العام 2005 لتبرير كافة المخالفات الدستورية، فيتعذر تأليف حكومة جديدة، ثم يأتي استحقاق الانتخابات الرئاسية بعدها بخمسة أشهر (قبل شهرين من انتهاء ولاية عون في 30 تشرين الأول 2022 ) فيتعذر انتخاب الرئيس الجديد من البرلمان الذي تكون ولايته انتهت من دون التجديد له، فيمتنع الرئيس ميشال عون عن مغادرة القصر الرئاسي بحجة عدم ترك البلد للفراغ، ولإدارة أزمته، فيبقى في الرئاسة كي لا يسلمها إلى الفراغ كما قال في حديثه لجريدة “الأخبار” يوم الجمعة الماضي.

وهذا السيناريو يقود، طالما تكون سقطت المؤسسات الدستورية الأخرى، إلى عقد مؤتمر حوار وطني برعاية دولية – إقليمية قد يكون المؤتمر التأسيسي الذي يجري الحديث عنه منذ سنوات فترتفع أسهم احتمالاته أحياناً، ثم تخفت أحياناً أخرى، لتتم عبره صياغة تسوية شاملة تتعلق بطبيعة النظام السياسي اللبناني وفق موازين القوى الحالية القائمة على تفوق “حزب الله” بسلاحه وبحكم سيطرته على أكثرية الطائفة الشيعية، مستقوياً بتحالفه مع عون و”التيار الوطني الحر”، من أجل فرض رئيس للجمهورية لا يكون بعيداً من الخط الذي سلكه عون طوال فترة رئاسته.

أما السيناريو الثاني فهو أن تحصل الانتخابات النيابية، نظراً إلى صعوبة تأجيلها في ظل الموقف الدولي الضاغط من أجل إجرائها في موعدها، تحت طائلة امتناع المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات الموعودة للبنان، باعتبارها معياراً لانتظام عملية تداول السلطة وللشفافية في إتاحة الفرصة للشعب اللبناني الذي انتفض ضد الطبقة السياسية وممارساتها كي يعبر عن تطلعاته ويختار ممثليه في السلطة التشريعية. لكن انتخاب برلمان جديد سيتبعه الاستحقاق التالي أي انتخاب رئيس الجمهورية في ظل تحديات سياسية دقيقة. ومهما استطاع الجيل الجديد وثوار 17 تشرين وممثلو المجتمع المدني إيصال بعض النواب إلى السلطة التشريعية، فإنه لن يتمكن من حصد الأكثرية. كما أن أياً من التحالفات العريضة لن يستطيع ضمان أكثرية الثلثين التي يفرضها الدستور من أجل انعقاد أول جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، فيتكرر تعطيل النصاب وبالتالي انتخاب الرئيس الجديد، كما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان العام 2014 وبقيت الرئاسة شاغرة سنتين وأكثر من خمسة أشهر، إلى أن سلم معارضو “حزب الله” بانتخاب مرشحه العماد عون في العام 2016. ويفترض السيناريو الثاني ربط انتخاب الرئيس الجديد بالتسوية الإقليمية أو بفرض اختيار المرشح الذي يتفق عليه “حزب الله” مع عون، الذي حدد مواصفات من سيخلفه حين قال: “لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي، لن يكون بعد الآن رئيس للجمهورية لا يمثّل أحداً، ولا يمثّل نفسه حتى، بل ابن قاعدته…”.

ولم يكن عن عبث أن الأوساط السياسية استنتجت من هذه المواصفات بأنه يذكر من نسي بأن مرشحه هو صهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. ترك عون أمر بقائه في القصر الرئاسي عرضة للتفسيرات بقوله إنه سيترك القصر الرئاسي “لرئيس يخلفني… وأخشى أن ثمة من يرد الفراغ. أنا لن أسلم إلى للفراغ”. أتاح المجال بذلك لاستعادة من قرأ كلامه، سيناريو الفراغ بأنه يهدف إلى فرض الرئيس الجديد. فإذا انتُخِب البرلمان الجديد تقتضي الخطوة الدستورة التالية عند بدء ولايته، أي في 22 أيار 2022 اعتبار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة، لتصبح حكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحية. فإذا تعذر تشكيل حكومة جديدة، على منوال ما حصل في عملية تشكيل الحكومات في السنوات الأخيرة، وبلغ البلد الاستحقاق، فإن الاجتهادات القانونية التي يلجأ إليها الفريق الرئاسي قد تكون هيأت فتوى بأن تسلم الحكومة صلاحيات الرئاسة، بخلو سدتها غير ممكن باعتبارها مستقيلة تصرف الأعمال وغير مكتملة الصلاحيات، وبالتالياً لا يمكنها تولي الصلاحيات الرئاسية، ما يسوغ بقاء عون حتى انتخاب الرئيس الجديد. يكون هذا تبريراً ضاغطاً لفرض الرئيس الذي يختاره عون و”حزب الله”، مثلما جرى فرضه هو عام 2016. أو بالأحرى فرض الرئيس الذي يختاره الحزب لأن بإمكانه تأمين نصاب الثلثين الناقص لإنهاء الفراغ…

بعض من لم يصدقوا الأحاديث عن سيناريوات افتعال الفراغ في المؤسسات أو بعضها، في الأشهر الماضية، أخذ ينظر إليها بعين الجدية بعد الذي أدلى به رئيس الجمهورية. فالحزب يردد منذ مدة أن الأميركيين يريدون تغيير المعادلة السياسية في لبنان “لاستهداف المقاومة وإضعافها”. وأخذ في الأسابيع الماضية يضم السعودية إلى أميركا في السعي إلى هذا التغيير في تركيبة السلطة. يؤشر ذلك إلى أن الحزب ينوي القيام بما يستطيع من أجل الاحتفاظ بقدرته على التأثير في رأس السلطة وفي المجلس النيابي، لشعوره بأن تراكمات الأزمات التي عصفت بلبنان والانهيار الاقتصادي، تسبب بتآكل شعبية حلفائه لا سيما في “التيار الحر”، ووسع دائرة الحملات عليه في وقت تتعرض إيران على الصعيدين الدولي والإقليمي لمزيد من الضغوط التي تحملها على رفع سقف تصلبها في التفاوض على الملف النووي، ويحمله هو على التشدد في لبنان والتشبث بسطوته على مركز القرار فيه.

وبات بعض الذين يتوجسون من سيناريوات الفراغ واحتمالاته يتساءل عما إذا كان موقف الرئيس عون الأخير تمهيد لاعتمادها من أجل فتح باب البحث بخليفته في شكل مبكر، وقبل الانتخابات النيابية، متسلحاً بالمئة ألف مقاتل الذين لوح بهم “حزب الله” قبل زهاء الشهر، مستبقاً خلو سدة الرئاسة من حليفه، برفضه الانتقاص من المكاسب التي حققها له تصاعد نفوذه مؤسسات دستورية بدءاً برأس الهرم؟

شارك المقال