انتخابات وطن واجب الوجود

محمد علي فرحات

المغتربون اللبنانيون المسجّلون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية، إذا حصلت، لم يتجاوزوا المئتي ألف إلاّ قليلاً، على رغم المناشدات التي اعتبرتهم عنصراً مرجّحاً للتغيير ولتجاوز الوضع الصعب الذي رعته الأكثرية النيابية الحالية.

هذا الأمل ليس في محلّه، لأن المغتربين الراغبين بالمشاركة في الانتخابات يندرج معظمهم في الإصطفافات الموجودة في الوطن. كل ما في الأمر أنهم سيكونون أكثر حريّة في الإقتراع بعيداً من الضغوط. لكنّ هامش الحرية الواسع هذا لن يخرجهم من المزاج اللبناني السائد.

وفي رؤية المراقبين سيحصل “تيار المستقبل” وحلفاؤه على غالبية الأصوات خارج الوطن، فيما ستتراجع نسبة المقترعين لمرشحي “حزب الله”، للتنصّل، على الأرجح، من تهمة الولاء لهذا الحزب الذي أُدرج في دول عدّة على لائحة الإرهاب أو أنه في الطريق إلى ذلك، خصوصاً في البلاد العربية وأوروبا وأميركا الشمالية. أما العونيون والقواتيون فستكون منافستهما صعبة، مع ترجيح الغلبة لـ “القوات” بسبب مواقف الرئيس ميشال عون المنحازة إلى “حزب الله” أو غير المعادية له على الأقل. تبقى زعامتا وليد جنبلاط وسليمان فرنجيّة اللتان ستحافظان على ستاتيكو معهود لهما في الانتخابات السابقة.

هذه الصورة الإغترابية قريبة من صورة الداخل اللبناني، وليس الأمر مستغرباً فغالبية المغتربين العظمى غير مهتمة بالإنتخابات في الوطن الأم، إمّا لأنها يائسة من إمكانية التغيير، وإمّا لإن الإندماج في الأوطان البديلة أدّى بها إلى الإنقطاع، ولم يبقَ من إنتمائها الأصلي سوى الولاء الديني وبعض الفولكلور في المأكل والأغاني الشعبية. وهذه الغالبية العظمى تهتم كثيراً بالإنتخابات في أوطانها البديلة، حيث الممارسة الديموقراطية ملموسة النتائج، وحيث تقتضي المصلحة بالتمسّك بحق الإنتخاب كتعبير عن الإنتماء.

نكتب عن الانتخابات النيابية فيما الصراع على موعدها بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان قد يؤدي إلى تأجيلها، وتلك مفاجأة ستخيّب آمال المجتمع الدولي وتضيّع أحلام اللبنانيين في الحصول على مساعدات توقف الإنهيار، وتسمح لهم بنوع من الاستقرار يؤدّي إلى إصلاحات سياسيّة وإداريّة واقتصاديّة لا بد منها.

لا نتّهم الرئيسين عون وبرّي بالتسبب بتأجيل الانتخابات، فهناك أيضاً مجموعات سياسية وطائفية ترغب بذلك وتعمل عليه بصمت، من باب إن ستاتيكو الوضع الحالي المهترىء، هو بالنسبة إلى هؤلاء أكثر أمانا من مغامرة إنتخابية قد توصل إلى البرلمان أصواتاً قليلة لكنّها ستكون مسموعة حين تشهد على فساد يستمر على حساب الجوع والمرض واليأس.

هذه الصورة البالغة السلبيّة لا تنفي ان لبنان لا يزال واجب الوجود، خصوصاً مع نخبة صامتة وخبرات متراكمة منذ أكثر من قرن، ولأن لبنان المتعدّد يجاور دولة دينية صلبة اسمها إسرائيل، ودولة شبه مستحيلة اسمها سورية.

شارك المقال