عون… والأنا المتضخّمة!

علي نون
علي نون

لا يفترض أن يفاجئ أداء الرئيس ميشال عون أحداً من أصحاب الحصافة في لبنان… أو هكذا يمكن الظن تبعاً للتاريخ وعلم النفس وطبيعة المرحلة الراهنة التي يتحكم بها وبمآلاتها حزب إيران وتوابعه .

وأمر مثير للاستغراب ان يستغرب البعض ما يفعله عون اليوم وهو المتمّم لما فعله بالامس وقبل الامس ومنذ ايامه الاولى في مواقعه المتعددة. تغيرت الدنيا والاحوال لكن عون واحد، لم يتغير ولم يتبدل ولم يدفعه شيء الى أن يتغير طالما ان ذلك الشيء خارج سياقات القوة وترجماتها الواضحة !

التاريخ العوني موجود لمن يريد ان يتعظ ويستنتج ويحلل ويحكم. ذلك واضح وشفاف ولا تنقصه من عدّة الوضوح والبيان أي ناقصة. والرجل منهجي وصاحب عقيدة! ويفترض انه على الطريق الصحيح دائماً وابداً وليس من الحكمة بل من الجهالة محاولة فتح نقاش معه في شأن يقينياته تلك! كثيرون جربوا واصطدموا. وحاولوا وفشلوا. واقتربوا ويئسوا. وطلعوا ثم نزلوا واقتربوا ثم ابتعدوا وقدموا ثم سحبوا… ولم ينفع ذلك كله في فتح ثغرة بالجدار! ولا طاقة صغيرة في التدريع! ولا تمكنوا من ايجاد علاج طبيعي ممكن لكل ذلك الإحكام والإقفال !

الرجل ذو طبع ناري! ولانه كان كذلك فقد أُخذ من طبعه لتطبيعه! ولأنه عسكري النشأة والمراس عومل من داخل السياق المذكور وليس من خارجه! ولأنه مقفل ومؤمن بنفسه ودوره ودرره، فقد ارتُئي ان يستمر على ذلك المنوال لكن من بعيد، تماما مثلما حصل مع ملهمه نابوليون! أما الخطيئة التي ارتكبها البعض لاحقاً فكانت الافتراض ان الرجل ممكن ومعقول خارج سياق الانا المتضخمة والتاريخ النابوليوني الأثير… وان إشباع الذات بتلبية طموحها وجموحها يمكن أن يعدل المسار والنهج وطريقة التفكير ويقرّب المعني من عاديات السلوك التي تحكم صاحب السلطة العامة او يفترض ان تتحكم به بعد تحكّمه بها وتمكّنه منها! خطيئة تترجم حفراً وتنزيلاً القول المأثور عن غلبة الطبع على التطبع! والاصيل على الدخيل! والفطرة على المكتسب! والاساس على الفرع! هذا النوع من البشر يفهم لغته وحدها ومنها يجب الاستنتاج والاستطراد! ومنها يجب الانطلاق لفهم الكيفية المثلى لمعالجة الحال قبل الدخول في اتون التجربة مجددا. وقبل تدفيع كل من عليها اثمانا ما عادت متوافرة أساساً! وقبل اكتمال احتمال الاندثار الوطني العام والعميم! وتشليع الجمهورية خرقا مبعثرة، مفلسة وعقيمة ومنخورة باليأس واحتمال استتباع ما تبقى من مظاهر كيان ودولة وسيادة بصاحب الإمرة الايراني وإن حمل هوية لبنانية !

ذهب ويذهب كثيرون الى قراءة سياسية للمواقف الاخيرة التي أطلقها صاحب الشأن السيادي الاول. والى تفسيرها من زوايا عادية تتصل تارة بالدستور وطوراً بالأوضاع الاقليمية المحيطة وبالحسابات الكبرى والصغرى لإيران وحزبها في لبنان، وبغير ذلك من اجتهادات مألوفة… وذلك كله قد يكون في مكانه وزمانه لكنه لا يكفي للحكم على ما نحن فيه ولا على طبيعة ما نتلقفه من مواقف عبثية باعتبار ان حال عون عندنا فيها اشياء مشتهاة من حال الاسد في سوريا وقبله حال صدام في العراق والقذافي في ليبيا… وسبق أن قيل هذا الاستنتاج تبعا للتماثل الانوي عند جميع المذكورين واستحكام هوس السلطة والتحكم في طبعهم وطبائعهم الى حدود التماهي التام بين مصائرهم الشخصية ومصائر دولهم وشعوبهم… لكن حال مثالنا استثنائية حتى بتلك المقاييس التدميرية الكاسحة: في سوريا والعراق وليبيا كانت السلطات فوق المساءلة وتحت السماء بقليل! هي الدستور والقانون والمال والاقتصاد والاعلام والثقافة والامن والعسكر والحزب والميليشيا والثورة والدولة والجامع والكنيسة والقاضي والقضاء والمدرسة والجامعة ومختبر فحص الدم والمستشفى وكيفية العمران والهندسة والفن والرسم والنحت والزراعة والصناعة والسينما والتلفزيون والجريدة والقصيدة واتحادات الكتاب والصحافيين والمبدعين بقرار حزبي والمجلين بمرسوم رئاسي. كانت سلطات مطلقة بالمعنى الحرفي والفج للكلمة، لكن عندنا على الرغم من انكسار البنيان منذ عام 1975 لم يكن الامر كذلك! ولم يحصل في ظل السلبطة الاسدية ونظامها الامني المشترك مع اتباعها اللبنانيين، على الرغم من صلفها ورعونتها وحثالتها وسوقيتها. ولم يحصل بعد اندحار تلك المرحلة القاتمة على الرغم من استطرادات حزب ايران و”جهوده” لقولبة الناس وفق هواه، بالضخ الاعلامي والسياسي وبالطخ الناري سواء بسواء. ولا يزال عندنا وسيبقى ما يجعل الاستبداد مستحيلاً، والهضم بعد البلع شوكيا ولا قدرة لمعدة على تحمله! لكن على الرغم من ذلك واكثر منه يذهب عون الى المحاولة! ويتصرف وكأنه مثل هؤلاء: فوق المساءلة وتحت السماء بقليل! ولو عاد الامر له لوضع الجميع في جيبه الصغير وعلمهم كيف يحطمون دولة بمؤسساتها وناسها من دون عسف الحزب الحاكم أو اللجان الثورية! ومن دون فضل الأمن وادواته وقوانينه!

شارك المقال