حزب الله مستاء… وجنبلاط صبر كثيراً

عبدالله ملاعب

عام 2009 دخلت العلاقة التي تجمع الحزب التقدمي الاشتراكي و”حزب الله” في حقبة جديدة عنوانها تنظيم الخلاف بين حزبين خاضا معارك ميدانية وسياسية طاحنة وتباينا في الداخل والخارج وفي الرؤية للبنان ورسالته ودوره وهويته. لم يدخلا في تحالف سياسي أو يعقدا مصالحة أو يبرما اتفاقية بينهما بل قررا، تطبيقاً لمندرجات مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في الدوحة عام 2008، أن يربطا الخلاف بينهما على قاعدة واحدة وحيدة يمكن أن تجمعهما وهي المحافظة على السلم الأهلي بعدما وصل الخلاف بينهما إلى ذروته في 11 أيار 2008 يوم حاول “حزب الله” غزو القرى الجبلية الدرزية.

طوال الفترة الممتدة من العام 2009 الى اليوم تهاوت سياسة تنظيم الخلاف بين التقدمي و”حزب الله” على وقع ثغرٍ بنيوية أبرزها التباين في الرؤى حول سيادة لبنان واستقلاليته، الاستراتيجية الدفاعية، والعلاقات اللبنانية – السورية، واللبنانية – العربية. هذا بالإضافة الى “زكزكات” الضاحية التي تعمل لتعزيز دور القوى السياسية الدرزية المخاصمة لجنبلاط أحياناً فتمدَّها بما تريد أحياناً، أو تتركها في قحطها أحيانا أخرى إن أرادت، باعتراف مبدئي هذه القوى.

عام 2014، اهتزت سياسة تنظيم الخلاف بين الحزبين من دون أن تسقط، وذلك جراء الاختلاف الاستراتيجي بين جنبلاط ونصرالله حول الصراع في سوريا وقضية العسكريين المخطوفين ومواقف جنبلاط من جبهة النصرة التي اتخذها آنذاك بهدف تحصين منطقة العرقوب وراشيا من الفتنة ومنع حدوث أي صدام بين الدروز والنازحين السنة. وقتذاك جرى لقاء بين قيادتي الحزبين في مدينة الشويفات لإقفال الباب أمام أي خلافات أو مواجهات شعبية تنجم عن التباينات الكامنة بين حزبين ينظر إليهما البعض كأكثر الأحزاب تشبيكاً مع الخارج إذ إن “حزب الله” يمارس السياسة الداخلية انطلاقاً من أجندته الخارجية وجنبلاط يربط مواقفه السياسية بالإقليم وصراعات الأمم وتحركاتها في الشرق الاوسط ولبنان.

عام 2019 اصطدم تنظيم الخلاف بمطبات كبيرة بدأت حين أبطل وزير الصناعة آنذاك وائل أبو فاعور رخصة معطاة لشركة “ترابة الأرز” اللبنانية لرجل الاعمال بيار فتوش، المقرَّب من “حزب الله”، وذلك لإقامة معمل إسمنت في منطقة عين دارة العقارية، والتي كان قد أصدرها وزير “حزب الله” حسين الحاج حسن في الحكومة السابقة. وقتها أثار قرار أبو فاعور امتعاضاً كبيراً لدى “حزب الله” الذي رأى في إبطال القرار إتهاما واضحا لوزيره بإصدار رخصة مخالفة.

وفي العام عينه، تراجعت العلاقة بين التقدمي و”حزب الله” بعد أحداث قبرشمون – البساتين في حزيران، حين أعرب “حزب الله” عن تأييده لرئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان بعد أحداث قبرشمون – البساتين التي سقط فيها اثنان من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين آنذاك صالح الغريب يوم أراد الوزير جبران باسيل زيارة الوزير الغريب في بلدته رغماً عن اعتراض أهاليها والجوار.

أراد كل من عون وباسيل وأرسلان حينها إحالة القضية على المجلس العدلي ورسموا مخططات كبيرة لتحويل سيناريو الكمين إلى تصفية حساب. ودعمهم أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله في ذلك وتم تعطيل جلسات مجلس الوزراء بمشهد يشبه الى حد بعيد مشهد اليوم. ولكن سرعان ما تدخل الرئيس نبيه بري الذي رعى في أيلول 2019 مصالحة بين الحزبين حضرها عن الاشتراكي الوزيران غازي العريضي ووائل أبو فاعور، وعن “حزب الله” حسين خليل ووفيق صفا.

اليوم، يطوف الخلاف مجدداً بين نصرالله وجنبلاط على الرغم من رفض جنبلاط تشكيل أو المشاركة بجبهة سياسية مواجهة لـ “حزب الله” على الرغم من هول الواقع، لكن تهديد أرزاق اللبنانيين الهاربين من جهنم، دفع جنبلاط للقول إن “حزب الله” خرب بيوت اللبنانيين في الخارج، ليَنتُج من هذا الكلام ردود فعل عالية النبرة من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي وصف كلام جنبلاط بالخبيث الذي يحلّل دم طائفة بأمها وأبيها، والقيادي في “حزب الله” غالب أبو زينب الذي هاجم جنبلاط محرضاً عليه بيئته الدرزية اذ اعتبر انه يسمّمها بمواقفه وخياراته.

في هذا الاطار، أوضحت مصادر رسمية في الحزب التقدمي الإشتراكي لـ”لبنان الكبير” أن جنبلاط بكلامه عن “حزب الله” لم يُعبّر عن شيء جديد وذكّرت بقيادة جنبلاط للمشروع السيادي في لبنان من عام 2005 إلى 2008. وتقول المصادر إن جنبلاط أخذ خيار الوسطية منذ انتهاج سياسة تنظيم الخلاف مع “حزب الله” ليكون التواصل معه “على القطعة” بحسب مقتضيات العمل السياسي والبرلماني. وقالت المصادر إن آخر تواصل بين الحزبين صار بعد أحداث شويا وبعد كلام غالب أبو زينب حين أوضح “حزب الله” أن كلامه غير رسمي. وختم المصدر تأكيده أن الاشتراكي لم يكتشف مواقف جديدة من “حزب الله” بعد التصريحات الاخيرة التي طالت جنبلاط، والعكس صحيح إذ أن “حزب الله” يدرك مواقف التقدمي ولطالما كان الهدف من سياسة تنظيم الخلاف ألا تنعكس تباينات في الشارع.

من جهته، قال مصدر رسمي في “حزب الله” لـ”لبنان الكبير” إن “كلام وليد جنبلاط وانتقاده العنيف لحزب الله سبب حالة معينة من الاستفزاز لجمهور الحزب وكان من الطبيعي أن تصدر ردود فعل”. وتابع رافضا التعليق على آخر ما صدر عن جنبلاط حول “حزب الله”، معتبرا أن تنظيم الخلاف لا يعني أن ينتقد جنبلاط حزب الله والحزب يسكت “مش يعني هو ينتقدنا ونحن لا”. ويقول المصدر إن جنبلاط هاجم الحزب بعد فترة طويلة من الصمت “شو السبب ما منعرف – بس منتفهم ظروفه”. وأضاف: “ما قاله جنبلاط لا يندرج ضمن تنظيم الخلاف، ونحن لا نرغب بالرد رسميا إذ ثمة قرار مركزي بعدم التعليق”. وختم: “نحن حريصون على الامن والاستقرار وعدم الدخول في منازعات اعلامية على الملأ لأسباب عديدة، لهذا السبب نتغافل عما سمعناه من الاستاذ وليد جنبلاط”.

منذ دخل الحزبان حقبة تنظيم الخلاف، يرغب “حزب الله” في أن يضبط الإشتراكي مواقفه إلى درجة التزام الصمت المطلق وعدم التعليق حتى لو ارتبط الأمر بتصويب مسار خاطئ يختاره “حزب الله” أو من يدور بفلكه، بصرف النظر إن كان الامر متعلقا بممارسة وزارية خاطئة، أو حتى بتخريب بيوت اللبنانيين. ويقول “حزب الله” إنه “يتفهم الخلاف الاستراتيجي بينه وبين المختارة”، لكنه أيضا يبعث رسائل مفادها أنه لا يفقه كثيرا ثقافة تنظيم الخلاف لأنّه يفرز القوى السياسية إلى قسمين: حلفاء أو خصوم. وهذا المنطق يُفسّر عبارة “صبرت كثيرا على حزب الله” الصادرة عَمّن هادن كثيرا الذين عَسكَروا السياسة بألسِنة لَبِقة.

شارك المقال