عندما تكبر المصائب وتشتد الأزمات ويتزايد الخناق على الرقاب، يجد الإنسان نفسه حائرا لا حول ولا قوة له سوى اللجوء الى الصلاة علّ السماء ترأف به بعد وصوله الى حائط مسدود. واقع يجسد حال لبنان واللبنانيين الذين أوصلتهم السلطة الحاكمة الى آخر طبقة من جهنم، وباتوا على ثقة ان خلاصهم لن يأتي على يد من أفقرهم وجوّعهم وهجّرهم وفجّرهم ونهبهم ونكبهم.
ولأن الفاتيكان لها مكانة مميزة واحترام خاص لدى قادة العالم على مختلف انتماءاتهم، باتت قبلة الموجوعين واليائسين علّهم يجدون من يساعدهم في تضميد الجراح، واللبنانيون هم الأكثر وجعاً وأوضاعهم الأكثر تعقيداً، وتالياً الأكثر حاجة الى “عجيبة سماوية”. الرئيس سعد الحريري الذي كان مكلفا حينها زار الفاتيكان في نيسان الماضي حيث التقى البابا فرنسيس وتداول معه في الأوضاع في لبنان والعراقيل أمام تشكيل حكومته الإنقاذية. كما شرح الحريري وجهة نظره التي ترتكز الى أن مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر بحقوق المسيحيين هو شعار غير واقعي لأن لا أحد يمس حقوق المسيحيين والمناصفة. ثم استقبل البابا فرنسيس في الفاتيكان تسعة من رؤساء الكنائس في لبنان وتم التوصل خلال الاجتماع إلى وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة، تتضمن المساعدات الإنسانية والاجتماعية والحلول السياسية والديبلوماسية، لأن الفاتيكان يمكنها أن تؤدي دوراً أساسياً في تحقيق هذه الأهداف. واليوم، يزور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الفاتيكان، ويعلق أهمية كبيرة على هذه الزيارة نظراً إلى رمزيتها وما تنطوي عليه من أبعاد مهمة للبنان خصوصاً في هذه الظروف غير العادية لا بل الصعبة والخطيرة جداً.
وتحدثت أوساط مقربة من ميقاتي لـ”لبنان الكبير” عن أهداف الزيارة التي تحمل رسائل متعددة أهمها تأكيده على الهوية اللبنانية الجامعة ودور لبنان الرسالة والنموذج للعيش المشترك خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد صراعات محلية واقليمية، اضافة الى المشكلات التي تعترض حكومته، كما ودعوة الافرقاء الذين يعتبرون لبنان شقيقاً الى تمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل أضرار ممكنة، وذلك من حاضرة الفاتيكان لما تمثله على المستوى الروحي وعلى مستوى احترام الدول لها خصوصاً ان الفاتيكان كان عبر التاريخ ولا يزال يكنّ محبة للبنان ويدعمه في ظروفه الصعبة.
وأشارت الأوساط الى انه “بعد زيارة رئيس الجمهورية الى قطر وزيارة الرئيس ميقاتي الى الفاتيكان سيتكشف حجم الاتصال الداخلي والخارجي، وما أفضى اليه اذ أن الأمور تنضج شيئا فشيئا، والرئيس ميقاتي يعوّل على الداخل أن يكون لديه قناعة في الحفاظ على الاستقرار وترجمته الى اجتماع مجلس الوزراء في المرحلة القريبة”.
وأكدت أوساط ميقاتي ان ” الجرأة لا تنقص الرئيس ميقاتي في أي مرحلة من المراحل انما يضع نصب عينيه التلاقي الداخلي وتمرير المرحلة وعدم الصدام الداخلي، وبالتالي يريد دائما لحمة داخلية في هذه المرحلة، وأي شيء يجب أن يناقشه مع البابا سيناقشه من دون أي تردد، مشددة على ان الرئيس ميقاتي اذا لم يتوقع نتيجة ايجابية من هذه الزيارة لما قام بها”.
ووفق مصدر مطلع لـ”لبنان الكبير”، فإن “الزيارة لا يمكن تحميلها بناء أبراج واتخاذ قرارات سحرية. الزيارة تأتي في اطار تعزيز موقع رئيس الحكومة في هذه المرحلة التي تشهد تعطيلاً للعمل الحكومي كما وان لبنان يمر بأزمة في علاقاته الخليجية وبات شبه معزول، معتبراً ان الزيارة مثل زياراته الاخرى الى دول عدة تهدف الى اظهار لبنان وكأنه حاضر في المجتمع الدولي”.
وأضاف المصدر: “أما الوجه الآخر للزيارة فيكمن في معرفة ميقاتي ان الفاتيكان هي الدولة التي تتحرك بهدوء من أجل مساعدة لبنان ان كان بعد انفجار المرفأ مرورا بالرسائل التي يوجهها الحبر الاعظم باستمرار ويعبر فيها عن قلقه على لبنان وعلى الهجرة والديموقراطية والحرية وشجبه ضعف الدولة، ودعوته الى مؤتمر خاص حول لبنان للصلاة من أجله. كما طرح البابا موضوع لبنان مع بايدن وبوتين وبلينكن ومع كل زعماء الدول الذين يزورون حاضرة الفاتيكان وهناك تواصل بين الفاتيكان وايران من أجل لبنان”.
وكشف ان وزير خارجية الفاتيكان سيزور لبنان قريباً، والبابا سيزور قبرص مطلع الشهر المقبل والبطريرك الراعي سيلتقي الحبر الاعظم لمناقشة الوضع اللبناني علما ان البطريرك يزوّد الفاتيكان والبابا شخصياً بمذكرات شبه أسبوعية حول الوضع اللبناني والمبادرات التي يقوم بها.
ولفت المصدر الى ان “ميقاتي سيطرح الوضع اللبناني على أمل ان يكون لديه جرأة البوح بحقيقة المشكلة التي هي سيطرة “حزب الله” على الدولة من رئاسة الجمهورية الى المجلس النيابي الى الحكومة، ويمنع المؤسسات من العمل ان كان المؤسسات الأمنية أو القضائية أو التشريعية أو التنفيذية”.
وعن خريطة الطريق التي وضعها وناقشها رؤساء الكنيسة مع البابا والتي تتضمن مساعدات إنسانية واجتماعية وحلولاً سياسية وديبلوماسية، سأل المصدر المطلع: “لماذا ننتظر دائماً الحلول من الخارج ولا نسأل أنفسنا سؤالاً أساسياً: ماذا فعلنا نحن؟ لا شيء. لم نلاقِ أحداً في منتصف الطريق لا بل نفتش عن المشكلة ونستوردها. حتى لو كان لبنان كدولة لا يأخذ المبادرة، لا يوجد فريق لبناني يأخذ هذه المبادرة. لا دولة ولا قوى لبنانية تتحرك وكأن الكل ينتظر عناية إلهية تتطلب صلاة، وعناية الدول تتطلب نشاطاً وتواصلاً مع مسؤولي البلدان، وطرح عليهم مشاريع حلول، ونخبرهم أي لبنان نريد، ومدى استعدادنا لحل المشاكل”.
ورأى المصدر المطلع ان “الدول عدا عن انها تعبت من لبنان فهي تعاني الكثير من المشاكل حتى المساعدات المخصصة للبنان ولا نحصل عليها بسبب عدم الاقدام على الاصلاحات، مؤكداً ان البابا يرغب بزيارة خاصة للبنان لكن الى أي لبنان سيأتي؟ من سيستقبله؟ أي دولة وأي رئيس جمهورية وأي حكومة وأي مجلس نواب؟ من سيستقبل البابا والدولة منقسمة والطوائف منقسمة والقوى السياسية منقسمة. لا سلطة ولا مرجعية”.