نداء إلى الصم والبكم

الراجح
الراجح

أيها الأخوة اللبنانيون، أيها الشباب الصم والبكم.

إن جماهير الشعب اللبناني من الأصحاء يحسدونكم حسداً شديداً لأن الله عز جلاله حرمكم نعمة السمع والنطق. والحقيقة ان كلمة “نعمة” يجب ان تُسجن بين مزدوجين، لأن هذه النعمة او هاتين النعمتين تحوّلتا الى عذاب وألم شديدين لكل الذين ما زالوا يسمعون وينطقون.

اشكروا ربكم واحمدوه ألف مرة في اليوم، لا بل في الساعة، لأنكم لا تسمعون نشرات الاخبار وخصوصاً ما يتخللها من تصريحات آخرها تصريح رئيس الحكومة بمناسبة عيد الزواج المعروف في لبنان بعيد الاستقلال. كذلك احمدوا ربكم وسبحوه سراً وضمناً لأنكم لم تسمعوا خطاب رئيس الجمهورية بالمناسبة عينها.

احمدوا ربكم لأنكم عاجزون عن النطق، فالنطق في الزمن الماضي كان فنّاً، وكان تعبيراً، وكان جمالاً ما بعده جمال. حالياً اخوانكم الناطقون يشيرون في ما بينهم بالأيدي فقط، لأنه في حال تكلم احدهم معلقاً على عظمة التصريحات والخطب كان مصيره معلوماً بينما في الماضي كان مجهولاً.

لا تنسَ أخي الناطق ان “لسانك حصانك، إن صنته صانك”، واعلم ان السكوت أصبح اغلى من الذهب.

ملاحظة لا بد منها في هذه المناسبة غير السعيدة. سبحان مَن وهب رئيس حكومتنا هذه اليقظة الإنسانية تجاهنا معطوفة على يقظة رئيس الجمهورية اللذين لو تواضعا وخففا جزءاً ولو يسيراً من مظالمهما وقهرهما اليومي للمواطنين وبخاصة الناطقين والسامعين لكنا بألف خير ولما تحوّل هذا العدد الضخم من الصم والبكم الذين ربما لو توافرت لهم ظروف الولادة خارج سياج هذا الوطن لنطقوا كما حدث لزكريا في “الآية” وكما يمكن ان يحدث من دون الآية!

بعد ذلك ينتابك شعوران متناقضان: الاول تفاؤلي بالمستقبل فتردّد مع المردّدين ان لبنان لنا وسننتهي من هذه المنظومة! والثاني تشاؤمي تبدأ بعده البحث عن كتابَي عبدالله القصيبي “العالم ليس عقلاً” و”العرب ظاهرة صوتية”.

شارك المقال