مهنة “القردحة”

عالية منصور

مع بداية زمن عصر التواصل الاجتماعي تعرفنا إلى مفهوم جديد للعمل الصحافي، فصار الخبر يصلنا لحظة وقوعه على هاتفنا من اي مكان في العالم، وصار كل مواطن صحافياً وبامكانه من خلال كاميرا هاتفه المحمول نقل الخبر، لكن ايضا صار بامكان اي كان وبحساب وهمي ربما في احدى صفحات التواصل الاجتماعي ان يكتب خبرا من وحي افكاره او ينشر شائعة فتنتشر وتصبح مع الوقت حقيقة لدى الكثيرين، فكما قال جوزف غوبلر وزير الدعاية في عهد هتلر “اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”.

لكن كما كان للامر سلبيات، كان له ايجابيات، لقد بات بامكان القارئ متابعة كتاب وصحافيين من كل انحاء العالم بكبسة زر، تقرأ ما يكتبون وتشاهد ما يقولون ايضا من خلال شاشة هاتفك المحمول، بعضهم تزداد اعجابا بافكارهم وبعضهم قد يعطيك متعة النقاش حول فكرة ما، وبعضهم الآخر قد تتمنى انك لو لم تعرف عنه اكثر مما كنت تقرأ في الصحيفة الورقية.

ومن الامور التي تسببت بها صحافة صفحات التواصل الاجتماعي ان صح التعبير، هو تحول بعض من الكتاب والصحافيين الى نجوم على طريقة الفاشينيستا والمؤثرين بغض النظر عما يكتبون وكيف يكتبون، فتجدهم يوما مع الشرق وفي اليوم الآخر مع الغرب، وبالحالتين من يعارضهم لا يفقه شيئا وليس خبيرا ومحللا فذا مثلهم.

عند الإعلان عن خبر زيارة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي الى أنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان، وبمنتهى الحشرية وبدلاً من ان ابحث لاقرأ عن اسباب الزيارة ونتائجها، دخلت الى حسابات بعض الصحافيين الموالين لدرجة التصفيق الى احد المسؤولين وبدأت اقرأ تعليقاتهم، كنت بحاجة للقليل من الضحك الممزوج بالاسف، فكيف للبعض ان ينحدر الى هذه الدرجة ليقول الشيء وعكسه؟

ليس وحده جورج قرداحي من يمدح ويذمّ وفقاً للمصلحة الشخصية، قد يكون وصف “قردحة” مثلاً وصفاً بامكاننا اطلاقه على عدد من الصحافيين للاسف، بالامس لم يخلق التاريخ شخصاً اسوأ من اردوغان واليوم هو زعيم يلتقي زعيماً. الامر لا يتعلق فقط باردوغان او الشيخ بن زايد، نفس هؤلاء لو بحث القارئ قليلاً لوجد كيف من يهجونه اليوم كانوا حتى الامس القريب يصفقون له، والعكس صحيح.

فمن مزايا الصحافة في صفحات التواصل الاجتماعي ايضا انك تستطيع ان تعود لمواقف سابقة لأي كان خلال لحظات، وتعرف مثلاً موقف فلان من التسوية الرئاسية في لبنان عام 2016، وموقفه منها عام 2018، وموقفه منها اليوم. كما تستطيع ان ترى هذا الصحافي يفاخر بعشاء مع سياسي ما او صورة سيلفي مع سياسي آخر، وتستمع له اليوم يخبرك عن فسادهم أباً عن جد.

ومن اللافت جداً أن كثراً ممن يدعون اليوم انهم من صحافيي “ثورة 17 تشرين” وكتابها، واكثر من يطالبون بمحاكمة “كلن يعني كلن” بتهم الفساد، هم من كانوا حتى الامس القريب يتباهون بالجلوس الى موائد هؤلاء السياسيين، ويتلقون منهم مبالغ شهرية كـ”هدية تحفيزية”.

ليس وحده جورج قرداحي من صنع مجداً وثروة وشهرة ومن ثم اظهر حقيقة موقفه ممن اعطاه الشهرة والثروة، فكثيرون اليوم هم جورج قرداحي، وحتى ان اختلفت الجهة التي انقلبوا عليها او سينقلبون، قد تكون فكرة جيدة اطلاق لقب “قردحة” لوصف اختصاص هؤلاء الصحافيين والكتاب.

لكن بغض النظر عن “قردحة” هؤلاء، يبقى المهم وعي من يقرأ ويتابع، فهل “الجمهور عايز كده”، ام ان الجمهور يدرك أن ما يقوم به هؤلاء يأتي وفقاً لمصدر التمويل؟

شارك المقال