أتذكرون الخطة الدفاعيّة؟

رامي الريّس

ثقافتا التخوين والتعطيل يسيران جنباً إلى جنب من القوى التي تسمّي نفسها قوى ممانعة، والقوى التي تتلطّى خلفها وتستقوي بعضلاتها.

لا يتسع صدر قوى الممانعة لأي رأي مغاير. كل رأي مناقض للأسس العوجاء التي رسمتها في لبنان والمنطقة وأدّت إلى حروب وأزمات وانكسارات وترهل دول ومؤسسات إنما هو رأي خائن عميل ويستحق الموت. هذا كان مصير العشرات من الأحرار في لبنان وسوريا والعراق وسواها من الدول.

باتت مجرّد المطالبة بإعادة إحياء النقاش في الخطة الدفاعيّة من حيث انتهت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان (ومن ضمنها إعلان بعبدا) يماثل الخيانة العظمى. ممنوع البحث في أمرة السلاح، وممنوع البحث في قرار الحرب والسلم. ممنوع التساؤل حول مصير الدولة المختطفة وقرارها المسلوب، ممنوع البحث في علاقات لبنان الخارجيّة التي دُمرّت تدريجيّاً على مدار سنوات.

من لبنان، تُدار عمليّات الانقضاض على الاستقرار العربي؛ ومن سوريا التي تُنتهك سيادتها يوميّاً من خلال الاعتدءات الاسرائيليّة المتكررة يحتفظ النظام بـ “حق الرد في الوقت المناسب”. ألم يحن هذا الوقت منذ احتلال الجولان وضمه إلى اليوم؟ هل فقط في لبنان تُمارس “العنتريات” التي تفضي إلى القضاء على كل مرتكزات الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنيّة وتهدّد العيش المشترك؟

لماذا على لبنان أن يتحمّل تبعات انفلاش قواه المحليّة نحو الاقليم؟ أليس كافياً ما دفعته البلاد على مدى عقود من أن تكون ساحة مفتوحة لتصفية الصراعات الخارجيّة وفكّ الاشتباكات الاقليميّة بالنزاعات المسلحة والحروب المدمرة؟ من انفلاش الخارج نحو الدول إلى انفلاش الداخل نحو الخارج، هذا ما كان ينقصنا!

لا يحتمل لبنان المزيد من المغامرات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، لا من خلال بسط نفوذه الداخلي نحو الخارج، ولا من خلال تمدّد نفوذ الخارج إلى الداخل. في كلتا الحالتين، يدفع لبنان الثمن الباهظ الذي لا قدرة له على تحمله من جديد. لقد كان من المفترض أن يستخلص كل الأطراف السياسيّين الدروس والعبر من حقبة الحرب الأهليّة التي استمرت على مدى 15 عاماً، فلا يسعون لتكرار التجربة وتكبّد الشعب اللبناني المصائب المكلفة مجدداً.

واضح أن بعض الأطراف لا يزالون على موقفهم من مصادرة قرار البلاد واستتباعه للمحاور الاقليميّة التي تنتمي إليها وتتحرّك بتوجيهاتها. لكن الواضح أيضاً أن اللبنانيين لن يقبلوا بجرّهم مرة أخرى إلى أتون الصراع المذهبي والطائفي أو بإعادة تشكيل مكونات الصراع على أسس طائفيّة كانت انطوت مع انتهاء الحرب.

لبنان يستحق الحياة، والحياة الأفضل.

شارك المقال