شعوب لبنان المتحدة

محمد علي فرحات

الإنسان هو آخر ما تهتم به القوى المسيطرة على الشعب اللبناني اليوم، وقد شهدنا عينة من ذلك في خطب وتصريحات قيادات عدة اقتصرت على نقاط خلاف بل عداء سياسية، هي في الواقع ترجمات محلية لصراعات اقليمية ودولية.

وفيما غالبية اللبنانيين تعيش على حافة الجوع يتراجع اهتمام القيادات بالخروج من هذا الوضع المأساوي، ويتلهى اهل الحكم بنقاش مشاريع للخلاص لا تكتمل أركانها لسبب جوهري هو نقص التمويل. الحكومة شبه مفلسة والقيادات تتراجع قدرتها على تلبية متطلبات مؤيديها وأزلامها فنراها تقتصر على تقديم العون للمقربين جداً، أي للحرس الذي يحافظ على وجودها المادي والمعنوي.

إن تعبير “الشعب اللبناني” انتقل من الواقع الى المجاز، وبدأنا نعيش اجواء “شعوب لبنان المتحدة” التي تجمعها هيئة رمزية هي الدولة اللبنانية، بما تبقى لها من اشباه رئاسات ووزارات ومؤسسات عامة شبه حكومية. وهناك حقيقة وحيدة تتقدم على هذه الأشباح هي قيادات هذه “الشعوب” التي انطلقت من الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي لتستولي شيئاً فشيئاً على الدولة وتأكل الأخضر واليابس، وتعطل مؤسسات الانتاج لمصلحة اقتصاد ريعي قائم على ربحية عالية من اموال مودعة في المصارف، حتى وصل الامر الى فضيحة، واكتشف المودعون ما كان معلوماً في النظرة الواقعية، أي انهم كانوا يلحسون المبرد ويربحون من مالهم الخاص الذي بدأ يتآكل، على ما يشهدون ويعانون.

قيادات “الشعوب اللبنانية” لم تسمح بأجيال جديدة من السياسيين، واستمرت تتحكم باللبنانيين على الرغم من شيخوختها. كأن هؤلاء العجائز يهزمون الموت إذ يرون في انفسهم انصاف آلهة محكومة بالخلود.

ولما كان الخلود صنواً للجمود وعدواً للحركة فهم يمنعون أي تطور في لبنان عدا ذلك التطور المؤدي الى هجرة أو جوع وفناء. وحده “حزب الله” الذي يشارك “قيادات الشعوب اللبنانية” بالتحكم في حياة المواطنين ومصيرهم يختلف عن هذه القيادات في المنشأ وفي المسار. فبعدما طوى صفحة تحرير الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، انصرف الى التوسع عسكرياً في سوريا القريبة حيث يحضر مقاتلوه في معارك الدفاع عن النظام، والى التوسع في استشارات عسكرية وازنة في العراق واليمن لنصرة اصدقاء ايران في الدولتين المذكورتين. حزب ذو منشأ لبناني يحمل ايديولوجية دينية ايرانية ويقاتل في ظلها، في مفارقة واضحة لطبيعة السياسة اللبنانية الموالية أو المعارضة على السواء، فهو لا يشبه اليمين اللبناني كما لا يشبه اليسار أيضاً إذ يلتزم ولاية الفقيه الايرانية الشيعية المتأثرة حتى العظم بأفكار الاخواني المصري المتطرف سيد القطب. هكذا نرى “حزب الله” وقد تحول في عيون اللبنانيين من محرر للجنوب الى عبء على الوطن كله، حين يرهن نفسه ويرهن الوطن بتحقيق أهداف طويلة عريضة لحكام ايران وايديولوجيتهم التي ترى في الحياة حرباً دائمة لا تصل أبداً الى شاطئ سلام.

هناك من يريد تسييس الدين وتديين السياسة، لذلك نشهد انهيار الحياة السياسية بكل دلالاتها وانهيار الحياة الروحية بكل انسانيتها، وقد كدنا نصل الى تقريب طقوس العبادة من المارشات العسكرية، وإحالة مناجاة المؤمنين الخافتة الى صراخ يشبه نداءات الباعة أو صيحات اللاعنين.

شارك المقال