“المستقبل” و”التقدمي” والاعتدال ثالثهما

عبدالله ملاعب

ثمة من يصف العلاقة بين الحزب التقدمي الاشتراكي و”تيار المستقبل” بحلف “السراء والضراء”. فعلى الرغم من الاهتزازات الكثيرة التي شهدتها العلاقة، إلا أن زخمها التاريخي والمبدئي لطالما حصَّنها ضد العواصف والتباينات. فالمختارة التي التقت أولاً مع قريطم، عادت لتلتقي وبيت الوسط بعد استشهاد رفيق الحريري وتعهد سعد الحريري إكمال نهج والده إبان ثورة الأرز التي قادها وليد جنبلاط وأدخلها كل الوطنيين والسياديين إلى معظم البيوت اللبنانية في حقبة حققت الاستقلال الثاني للبنان وعززت ثقافة التحرر والمواجهة على الرغم من تعثّر الأخذِ بالثأر ممَّن خطفوا لبنان وكبَّلوا عاصمته الى اليوم.

في حقبة المختارة – بيت الوسط ظهر التباين أولاً عام 2009 يوم انتهج جنبلاط سياسة تنظيم الخلاف مع “حزب الله”، ليصبح الخلاف واقعا عام 2011 يوم سَمَّت كتلة اللقاء الديموقراطي نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة بعد الانقلاب الذي نفذته قوى الثامن من آذار على حكومة الرئيس الحريري. وفي عام 2016، عادت الخلافات بين الحزبين مع تبنّي الحريري ترشيح ميشال عون الى رئاسة الجمهورية وإسقاطه خيار سليمان فرنجية من دون وضع جنبلاط والرئيس بري بصورة قراره الذي أتى بعد ترشيح جعجع لعون على وقع كأس الشمبانيا. الخلاف تفاقم في حقبة التسوية الحريرية العونية التي كرّستها انتخابات 2018 وأنهتها ثورة 17 تشرين يوم أراد جبران باسيل إحراق نفسه والجميع فكان خيار الحريري استقالة حكومته. لتأتي بعدها حكومة اللون الواحد ويدخل البلد رسمياً إلى جهنم المتمثلة بواحدة من أسوأ الازمات في التاريخ الحديث، والتي فاقمها تفجير العاصمة بيروت الذي دمّر البشر والحجر وترك البلاد دون حكومة 11 شهراً أراد بمعظمها الحريري معاودة محاولة التفاهم مع الجحيم وتشكيل حكومة معه، إلى أن استسلم مغادرا لبنان أواخر حزيران 2021.

في منتصف تشرين الثاني 2021، أوفد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور إلى دولة الإمارات للقاء الرئيس الحريري، ليكسر جنبلاط في خطوته هذه صمت القوى السياسية حيال الاختلال في ميزان القوى الذي نتج من الفراغ الذي تركه الحريري بمغادرته والتخبط الذي طال أهل السنة الذين دخل عليهم الإحباط مع انهيار الخط الذي مثَّل معظمهم منذ سنوات قليلة. قوى سياسية عديدة تعمدت عن قصد أو غير قصد تجاهل حيثية الحريري في زمن تتناطح فيه معظم الأحزاب ضد بعضها البعض لإظهار صلابةٍ ما في وجه رياح التغيير. ومن بلدة مزبود في إقليم الخروب، بعث جنبلاط الرسالة عينها الى الحريري لكن هذه المرة أمام الإعلام لا بلقاء خاص، معلناً تفهمه للضغوط التي تُمارس على الحريري وطالباً منه العودة الى لبنان لأن غيابه عن الساحة بحسب جنبلاط لا يفيد. ووحده (جنبلاط) لا يستطيع أن يواجه وأن يقاوم سلمياً وأن يقول كفى للمحور السوري الإيراني الذي حذر من تركه لتسلم كل البلد.

وفي هذا الإطار، يقول عضو كتلة “تيار المستقبل” محمد الحجار لـ”لبنان الكبير” إن “لقاء الإمارات كان جيدا لكن لا معلومات لدي عن تفاصيله إلا ما نقل عن النائبين جنبلاط وأبو فاعور في الإعلام”. وعن الضغوط التي تمارس على الرئيس الحريري، يقول الحجار: “الحريري في الخارج لأوضاع خاصة به وبقاؤه في الخارج عائد لضرورات تملي عليه ذلك”. وأردف: “لربما ثمة جانب أمني كذلك لكن لا أستطيع تأكيده”.

وأشار الحجار في حديثه إلى ضرورة استمرار التحالف بين التقدمي والمستقبل ووجوب تمتينه “على الرغم من حصول بعض الكبوات في المرحلة السابقة”، قائلاً إن “هذه الكبوات لن تؤثر في التحالف وضرورة بقائه واستمراره لما فيه من مصلحة وطنية وحزبية للطرفين”.

وردا على سؤال عما إذا كان التحالف سيُترجم في الانتخابات النيابية المقبلة، قال الحجار “حتى الساعة ليس ثمة قرار بذلك بسبب عدم حسم الرئيس سعد الحريري خياراته لجهة ترشحه أو ترشيح نواب عن تيار المستقبل أو شخصيات تيارية بصفة منفردة مؤكدا أن هذا الأمر لا يزال موضع دراسة بالنسبة للرئيس الحريري”.

من جهته، قال عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبدالله لـ”لبنان الكبير”: “لم يكن الحزب التقدمي الاشتراكي يوما بموقع الخصوم مع تيار المستقبل لأن العلاقة بين الحزبين تاريخية ووجدانية ووطنية”. يتحدث عبدالله عن المطبات التي واجهت العلاقة بين الحزبين لكنه يقول إن ما يجمعهما أكبر ممَّا يفرقهما لأنهما يلتقيان على “الخط السيادي الوطني والاعتدال وحماية الحريات والتنوع اللبناني، ويتشاركان ذات الرؤية حيال دور “حزب الله” في مواجهة إسرائيل ورفض إدخاله لبنان في صراعات إقليمية”.

وعن اللقاء في الامارات، يقول عبدالله إنه “أتى في سياقه الطبيعي وتضمن نقاشا وطنيا ودعوة إلى الحريري للعودة الى لبنان”. ويُضيف: “يجب أن لا يبقى الحريري في الخارج فثمة مسؤولية وطنية كبيرة ملقاة على عاتقه متمثلة بإرث رفيق الحريري وغيابه يمكن أن يؤدي الى شرذمة في شارع لبناني عريض”. وعن الانتخابات النيابية المقبلة، يقول عبدالله: “سنتحالف مع من نتشارك معهم العناوين السيادية العريضة، ونحن ننتظر الحريري لأخذ قراره ونساعده في ذلك، لكن يبقى الحديث عن التحالفات الانتخابية تفصيلاً بسبب القلق المستمر حيال محاولات تطيير الانتخابات النيابية”.

جنبلاط الحريص على لبنان التنوع والحامل لإرث قدم دماءً بوجه حلف الأقليات وضد سطو الجماعات الكبرى، تدفعه إلى بيت الوسط سياسة الاعتدال التي ينتهجها الحريري الذي تستبعد أوساطه تخليه عنها وإن فُهمت ضعفا في بعض المحطات. فما من طائفة وما من حزب وما من عهد أكبر من البلد الذي لن تختزله ميليشيا أو تنهيه حالة سياسية مرضية نائمة وحالمة ببقائها.

شارك المقال