الأسد محافظ برتبة رئيس

عالية منصور

بعد سيطرتها عسكرياً وسياسياً ونشاطها للسيطرة ثقافياً، يبدو أنّ إيران انتقلت إلى مشروع السيطرة الاقتصادية على سوريا، حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون أن نسمع عن اتفاقيات أو زيارات وتصريحات عن التعاون الاقتصادي بين البلدين.

قبل يومين، زار وزير الصناعة والتجارة الإيراني رضا فاطمي أمين سوريا “بهدف تنمية وتطوير العلاقات الاقتصادية في مختلف القطاعات، لا سيما أنّ الإمكانات المتوافرة كبيرة جداً بين البلدين لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ورفع مستوى التبادل التجاري بالسلع والمنتجات”، وفقاً لما صرّح به أثناء زيارته. وكان الوزير الإيراني شارك بافتتاح المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرّة بدمشق، والذي يضمّ عدداً من الشركات الإيرانية المختصة في المجالات التجارية والصناعية والزراعية ومعدات البناء.

المركز، وهو أول مركز تجاري إيراني موجود في سوريا، سيكون أساس التجارة الإيرانية فيها كما أعلن رئيس الغرفة المشتركة الإيرانية – السورية كيوان كاشفي. وجاء افتتاحه بالتزامن مع معرض المنتجات الإيرانية الذي افتتح بمدينة المعارض بدمشق، قبلها بأيام. دون أن نتجاهل الاتفاقيات “السياحية” بين البلدين، وزيادة عدد “السواح” الإيرانيين إلى سوريا.

كل ذلك تزامن مع انعقاد المؤتمر الرابع للاتحاد العربي للمدن والمناطق الصناعية العربية، وهو أول مؤتمر عربي اقتصادي في دمشق بعد سنوات من الانقطاع، شارك فيه رجال أعمال عرب وسوريون وممثلون عن البعثات الديبلوماسية الموجودة في دمشق.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه الاستثمار في سوريا مخاطرة كبيرة، إن بسبب الوضع الاقتصادي والمادي السوري أو بسبب العقوبات، بات من الواضح أنّ إيران تخطّط للحصول على الامتيازات بمجال الاستثمارات في الصناعة والزراعة، اتماماً لمشروعها بالسيطرة الكاملة على ما يُطلق عليها “جوهرة تاج” مشروع إيران الإقليمي.

وكعادة إيران وسياستها في المنطقة، أينما حلّت حلّ الخراب، فقد بتنا نسمع مثلاً عما يعانيه قطاع زراعة الحمضيات في سوريا في السنوات الأخيرة بسبب سياسات ممنهجة يتبعها النظام السوري التابع لإيران مع المزارعين، حتى صار من المتوقع أن تتحوّل سوريا من بلد مصدّر إلى بلد مستورد للحمضيات، خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ سعر الحمضيات الإيراني أقلّ من السوري. ولن تكون المرة الأولى التي يدمّر فيها نظام الأسد زراعة أساسية في البلاد بسبب فساده وتبعيته، فقد سبق له أن حوّل سوريا (قبل اندلاع الثورة بأعوام) من بلد مصدّر للقمح إلى بلد يستورده بكلفة عالية جداً.

المضحك المبكي، أنه وفي الوقت الذي تستمر فيه إيران بابتلاع سوريا وما فيها واقتلاع أهلها، يتزايد الحديث عن مبادرات “تعريب الأسد” وعودة النظام السوري إلى الحضن العربي، وأمور جُرّبت وعشنا مرارة تجربتها سنين عدة.

تعرف إيران الولي الفقيه ماذا تريد، وكما يُقال في العامية تعرف من أين “تؤكل الكتف”، وأي تهديد بضربة عسكرية لها أو لميليشياتها إن لم يسبّب شللاً كاملاً للنظام الإيراني، فإنه لن يكون ذا أثر يُذكر. إيران التي يموت شعبها جوعاً وفقراً كانت وستستمر بالاستثمار بمشروعها للهيمنة على المنطقة، مقابل لامشروع الآخرين وغياب كامل لأي استراتيجية حقيقية، والاكتفاء أحياناً بردّ فعل لا يتناسب مع الفعل الإيراني.

قبل أيام، وقبل انطلاق مباراة منتخبي سوريا وكازاخستان لكرة السلة ضمن تصفيات كأس العالم، وكما هي العادة في المباريات الدولية، اصطفّ اللاعبون لعزف نشيد منتخب كل بلد، لكن اللاعبين السوريين تفاجأوا بعزف نشيد آخر غير نشيدهم الوطني “حماة الديار”، وتبين في ما بعد أنه النشيد الإيراني. واعتبر أنّ خطأ تنظيمياً هو السبب خلف هذه “الفضيحة”، ولكن حسناً فعل المنظمون، فسوريا الأسد ليست سوى محافظة إيرانية، والأسد نفسه الذي لم يصدر عن نظامه أي اعتراض، ليس سوى موظّف برتبة محافظ عند الإيرانيين، كيف لا، وهو الذي قام بتسليمهم سوريا عسكرياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً، ومع ذلك لا يزال يجد من يراهن على امكانية إبعاده عن إيران.

شارك المقال