كيف تقلب واشنطن الطاولة في فيينا؟

حسناء بو حرفوش

مع استئناف المحادثات حول إحياء الاتفاقية النووية العالمية في فيينا، تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير ديناميكية علاقتها مع طهران إذا أرادت ضمان صفقة تخدم المصالح الأميركية، بحسب لورانس هاس الكاتب والباحث في مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في موقع “نيوزويك” الإلكتروني. ووفقاً للمقال، “تملي طهران في الوقت الحالي، توقيت وشروط المحادثات بالتزامن مع التقدم المستمر في برنامجها النووي. بينما في غضون ذلك، وافق الرئيس جو بايدن وفريقه على مطالبة طهران بعدم جلوس الولايات المتحدة إلى الطاولة خلال محادثات هذا الأسبوع في فيينا، واضعين المصالح الأميركية في أيدي الحلفاء الأوروبيين. مع الإشارة إلى إصرار طهران أيضًا على رفع جميع العقوبات قبل العودة للامتثال. وهذا ما رد عليه مسؤولون أميركيون بتهديدات غامضة بالقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية والتي من المؤكد أن طهران لا تأخذها على محمل الجد.

لكن بدلاً من الخضوع لإملاءات النظام الإيراني الخارج عن القانون على أمل إقناعه بالتغيير، تحتاج واشنطن إلى تحديد شروط التفاوض مع طهران. ولن يزيد ذلك فقط من فرص حصول الولايات المتحدة على صفقة قوية، إنما سيطمئن حلفاء أميركا الإقليميين إلى أن واشنطن لن تتركهم وحدهم بمواجهة إيران نووية. كما سيرسل إشارة قوية إلى الخصوم في بكين وموسكو وأماكن أخرى تشدّد على أن الولايات المتحدة ستدافع عن نفسها وحلفائها بمواجهة تهديدات السلام.

خمس خطوات ملموسة

ولبلورة ذلك بشكل ملموس، يمكن فريق بايدن اتخاذ خمس خطوات لتغيير طبيعة العلاقات الأميركية الإيرانية وزيادة فرص تأمين اتفاق نووي قوي.

أولاً، لا بد من الإصرار على المشاركة في المحادثات وجها لوجه. لقد ذكرنا من قبل أن المسؤولين الإيرانيين يرفضون حاليًا الاجتماع مباشرة مع المسؤولين الأميركيين. وبدلاً من ذلك، تجلس إيران مع أعضاء أوروبيين بينما ينتظر المسؤولون الأميركيون في الخارج ليطّلعوا في وقت لاحق على ما فاتهم. هذا الأمر غير منطقي ولا يمكن واشنطن في المقام الأول أن تدافع بشكل كامل عن مصالحها في المحادثات النووية، من دون أن تملك مقعداً على الطاولة. وهذا يجعلها ببساطة تبدو أقرب إلى بلد متوسل أكثر من دولة تتمتع بزعامة عالمية.

ثانيًا، يجب تحديد موعد نهائي للصفقة والتوصل الى اتفاق. وفي غياب اتفاق بحلول الموعد النهائي المحدد، يجب أن يقول المسؤولون الأميركيون إن الولايات المتحدة لن تلعب أي دور في المحادثات المستقبلية. سيوضح مثل هذا الموقف الأميركي للقادة الإيرانيين أن لديهم وقتًا محدودًا للتوصل إلى اتفاق يرفع العقوبات. وإلا فستمتلك واشنطن الحرية في اتخاذ أي خطوات تختارها من دون القلق بشأن تأثيرها في المفاوضات المستقبلية مع طهران.

ثالثًا، تحديد موعد نهائي لإيران في ما يتعلق بالسماح وعدم إعاقة عمليات التفتيش الدولية. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أشارت في تقريرين في تشرين الثاني إلى أن طهران لا تسمح لمفتشيها بإعادة تركيب الكاميرات لمراقبة منشأة نووية رئيسية، وإنها تُخضع المفتشين لعمليات تفتيش دقيقة ومبالغة. ويعاني اتفاق 2015 من ثغرٍ في نظام التفتيش، الأمر الذي استفادت منه إيران استفادة كاملة. على مدى السنوات الست الماضية، قامت طهران بتقييد عمليات التفتيش في منشآتها النووية، وحجبت كاميرات المراقبة ورفضت الرد على أسئلة حول أنشطتها السابقة المتعلقة بالطاقة النووية.

رابعًا، يجب على وشنطن أن توضح أن طهران ستدفع الثمن، بإجراءات تضاف إلى العقوبات الحالية، إذا استمرت بإطالة أمد المحادثات بمطالب غير واقعية، خصوصاً أن إيران تواصل التخصيب بالتزامن مع استئناف المحادثات على برنامجها النووي، وبالتالي، تتزايد الأخطار على السلام. ويمكن للولايات المتحدة أن تتخذ خطوات لتخريب برنامج إيران النووي، تماما كما فعلت (إسرائيل)، وتوضح أنها ستدعم جهود التخريب المستقبلية، بدلاً من الاستسلام للشكوى، كما يفعل فريق بايدن الآن، من أن الإجراء الإسرائيلي يجعل التوصل إلى اتفاق مع إيران أكثر صعوبة. وفي الوقت عينه، يمكن واشنطن الانضمام إلى الحلفاء الإقليميين في التدريبات العسكرية المشتركة التي تؤكد على تصميم الولايات المتحدة. واتخاذ خطوات تصعيدية من هذا النوع، يُكسب التهديدات بعمل عسكري صدقية أكبر.

خامساً، لا بد من إبراز السلوك الإيراني إذ ترتبط تهديدات إيران النووية ارتباطًا وثيقًا بطبيعة نظامها. وترعى طهران جماعات مثل “حزب الله” وحماس، تتهم بالعمل على زعزعة استقرار بعض دول المنطقة، إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل الإيراني حيث استخدمت القوات الإيرانية في الأيام الأخيرة، بالتزامن مع الدعوات لـ “إبادة إسرائيل”، الغاز المسيل للدموع والرصاص ضد مئات الإيرانيين الذين كانوا يحتجون على نقص المياه في مدينة أصفهان. وبغية حشد الدعم الشعبي للخطوات المقترحة أعلاه، تحتاج واشنطن إلى عرض وإدانة مثل هذا السلوك الإيراني، تمامًا كما فعلت الإدارات الأميركية مع السلوك السوفياتي خلال الحرب الباردة والخصوم الآخرين في السنوات اللاحقة. أخيراً، على الولايات المتحدة أن تقرر مدى مساعيها المبذولة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، وقدرتها على إقناع طهران بذلك”.

شارك المقال