هل سيصدر بيطار قراراً ظنياً منقوصاً؟!

راما الجراح

هاني الحاج شحادة، عضو المجلس الأعلى للجمارك، ومدير إقليم بيروت السابق في الجمارك، عُيّن رئيساً للإقليم عام 2014، أي بعد عام على وصول الباخرة “روسوس” إلى مرفأ بيروت، واستمر في منصبه حتى عام 2017 قبل أن يتولى منصب المدير العام للجمارك. رست الباخرة على الرصيف 11 من المرفأ منذ العام 2013 عندما تعرضت لمشكلات فنية أثناء الإبحار من موزامبيق إلى جورجيا وذلك بحسب رويترز، وهي تحمل 2750 طناً من نيترات الأمونيوم تم تفريغها في العنبر الرقم 12.

أصدر القاضي طارق بيطار مذكرة توقيف بحق الحاج شحادة وذلك إثر الإنفجار الهائل الذي حدث في مرفأ بيروت عام 2020 وأسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا. علماً أن الحاج شحادة تجاوب مع المذكرة وحضر إلى المحكمة، حتى أنه طلب من المحامي إذناً خاصاً بإقامة جلسة في المحكمة وذلك بسبب إضراب المحامين آنذاك، وحضر 6 جلسات متوالية، وتعرض للاستجواب والتحقيق ما يقارب الـ11 ساعة ونصف الساعة، فلو كان للحاج شحادة يد في هذه الكارثة، ولو ارتكب فعلاً مثل هذا الخطأ الفادح لما تجرأ على طلب انعقاد الجلسات في المحكمة والمثول أمام القاضي كل هذا الوقت من دون خوف من القرار الذي سيصدر بحقه، في الوقت الذي لم يمثل فيه العديد من المديرين العامين والمسؤولين والضباط أمام القاضي كاللواء عباس إبراهيم، وقائد الجيش السابق جان قهوجي، ولا حتى مدير المخابرات السابق والعميد المتقاعد في الجيش طوني منصور الذي كان يشغل منصب أمين سر المديرية أي أن كل بريد مديرية الجمارك مر بين يديه ولأجل ذلك من المستبعد ألّا يكون على علم بوجود النيترات وعلى الرغم من ذلك لم يستمع إليه ولا حتى بصفة شاهد، وطبعاً غيرهم من الأسماء السياسية والأمنية المعروفة.

بالعودة إلى ملف التحقيق في ملف المرفأ، يبرز الوعد الذي قطعه القاضي بيطار لأهالي الضحايا بإصدار القرار الظني قريباً. ويتّضح للمراقبين، حول مجريات التحقيق الذي رافقته تداعيات الصراع القضائي بين القاضي بيطار والمدعى عليهم من نواب ووزراء سابقين، والحصانات التي احتمى خلفها بعض القادة العسكريين والإستنابات القضائية التي لم يُجب عليها حتى الآن من الدول التي أُرسلت إليها، يتّضح ان هذا القرار الظني قد يصدر فعلاً بغض النظر عن إمكان مثول المدّعى عليهم المشار إليهم أمام المحقق أم لا، أو الاستحصال على أي إجابة من أي دولة بخصوص ملف النيترات. لكن، تحقيق هذا الوعد في حده الأدنى ينطوي على تساؤلات عدة على القاضي بيطار إيجاد الاجوبة المناسبة لها قبيل تنفيذه، فما مصير باقي المدعى عليهم في القضية من عسكريين وموظفين إداريين؟ ألا يجب الاستماع إليهم أو استدعاؤهم وهذا واجب عليك؟!

ماذا عن موسى هزيمة، الذي كان يشغل مدير إقليم بيروت بالإنابة حين رست الباخرة في مرفأ بيروت، وقد تجاوز صلاحياته المنصوص عنها في التعليمات والقوانين ولا سيما الفقرة 30 من المادة 421 من قانون الجمارك والتي تنص على أن “التهرب أو محاولة التهرب من إجراء المعاملات الجمركية على شيء ما، أو من تأدية الرسوم، بواسطة بيان كاذب أو ناقص، أو بواسطة جميع أعمال أو وسائل الغش غير المنصوص عليها في هذه المادة”، وذلك حين غض النظر عن مخالفة عدم ذكر النيترات في حمولة الباخرة، وهي مخالفة يجب رفعها للمدير العام للجمارك للنظر بها، وكان يمكنه يومها لو رُفعت للجهة الصالحة للقرار، أن يتم فحص نسبة الأزوت وتحديد مدى خطورة الحمولة، وإبعاد الباخرة عن مرفأ بيروت ومنع تفريغها بالأساس، والحيلولة دون وقوع الكارثة من أصلها!

لم يستمع بيطار لهزيمة ولو لمرة واحدة خلال مجريات التحقيقات، مع العلم أنه يُعتبر المسبّب الرئيسي في تفريغ الباخرة بشكل يخالف قانون الجمارك، وقد تقدم هزيمة لدى استدعائه للمثول أمام القاضي بيطار معذرة طبية وقد وافق القاضي على هذه المعذرة منذ شهرين من دون تحديد أي إجراء لاحق، وحتى اليوم الصورة غير واضحة إذا سيُستدعى مجدداً، وهل ستؤخذ افادته أو يوقّف قبل صدور القرار الظنّي، أم أنه أُعطي فرصة ذهبية لمغادرة لبنان قبل فوات الأوان؟!

من ناحية أخرى، لم يحدد القاضي بيطار حتى الآن أي مواعيد لاستجواب ضباط الجيش مجدداً، وهو الذي استجوبهم أكثر من مرة من دون توقيف أحد منهم، أو حتى توصيف الموقف القانوني الذي يتمتعون به، مقابل توقيف هاني الحاج شحادة بشكل تعسفي ومن دون أي مبررات واضحة على الرغم من مثوله أمام القاضي أكثر من كل المدعى عليهم في القضية، وكان متجاوباً بشكل كبير مع القاضي! فهل سيصدر القرار الظني من دون إعادة الاستماع إلى الجميع مجدداً، ومن دون إنصاف شحادة في القضية؟ وهل سيتم الاكتفاء بمن تم توقيفهم كشحادة وغيره من موظفين إداريين و”تطنيش” الآخرين وكأن شيئاً لم يكن؟

كل هذه التساؤلات والمعلومات تشكل عائقاً يجب تذليله قبيل صدور القرار الظني، ليكون هذا القرار شفافاً وعلى قدر من الصدقية، ويطال كافة الأطراف المعنيين بهذه الكارثة، الذين يمكن بالحد الأدنى الاستماع إليهم والبناء على إفاداتهم لقرار ظني كهذا ووضع الحصانات جانباً.

شارك المقال