وساطة ماكرون بعد ضغوط ميقاتي قد تعيد السفراء… وتتحدى حكومته

وليد شقير
وليد شقير

إلى أن يتضح مضمون الاتفاق الفرنسي – السعودي والنتائج التي يتوقعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من لبنان بعد البيان المشترك الصادر عنهما، وعن الديوان الملكي السعودي، فإن مرجعاً لبنانياً رفيعاً أبلغ موقع “لبنان الكبير” أن النجاح في “تذخير” وساطة ماكرون بورقة استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي مكّن الرئيس الفرنسي من أن يتحدث في العمق مع الجانب السعودي خلال المحادثات التي جرت في جدة أمس، كي تخرج بالنتائج التي خرجت بها.

وقبل انتهاء المحادثات السعودية – الفرنسية رجحت توقعات المرجع نفسه أن تؤدي وساطة ماكرون بعد خطوة حسن النية التي قضت باستقالة قرداحي، إلى قرار بعودة السفراء الخليجيين الذين سحبتهم عواصم الدول الأربع السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين لبدء مرحلة جديدة من التفاوض حول المواضيع العالقة مع لبنان والتي تسبب تراكمها بالعاصفة الخليجية ضد السلطة الحاكمة في البلد. ومن أجل المزيد من الحذر في سوق التوقعات حول نتائج الوساطة الفرنسية، أمل المرجع اللبناني بأن يعود السفير الكويتي والبعثة الديبلوماسية الإماراتية في مرحلة أولى على الأقل لكي يؤديا دوراً في التفاوض على أن يتبعهما السفير السعودي بناء على بعض الخطوات الأولية التي تنتظرها الرياض في البداية. أما الجانب البحريني فلا سفير لديه في بيروت، لكن التوقعات تشمل عودة السفير اللبناني إلى المنامة مثل سائر السفراء اللبنانيين في كل من الكويت وأبوظبي والرياض، لكي يجري التواصل على المستوى الديبلوماسي الطبيعي ولا سيما بين السعودية ولبنان من محاولة تفكيك العقد التي كانت تسببت بالأزمة بين البلدين.

كان الموقف الفرنسي حاسماً: إذا لم نحصل على خطوة إيجابية منكم (لبنان)، فإن ماكرون لن يفتح البحث بالأزمة بين بيروت وبين الرياض خلال المحادثات مع ولي العهد السعودي. هذا ما تبلغه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال اتصال ماكرون به أثناء وجوده في روما. وهذا ما تبلغه وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب من نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان خلال لقائه به في برشلونة على هامش مؤتمر الفعالية الأوروبية حول الشراكة مع دول المتوسط مطلع الأسبوع. ونقل بوحبيب الرسالة بسرعة إلى قصر بعبدا والسرايا الحكومية. كما أن هذا ما تبلغه عدد من القادة السياسيين المعنيين أثناء تحركات السفيرة الفرنسية في بيروت آن غيرو وطاقم السفارة، منذ الأسبوع الماضي، والتي شملت رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية و”حزب الله” الذي تواصلت معه البعثة الديبلوماسية الفرنسية داعية إياه إلى التصرف بمسؤولية تجاه كل ما يعيق تقدم عمل الحكومة وجهود معالجة الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون وسط تراكم الأزمات المتواصلة التي تزيد من إرهاق جميع الشرائح الاجتماعية والطائفية بلا استثناء.

لم يطلب الجانب الفرنسي بوضوح استقالة أو إقالة قرداحي بالاسم، كي يتسنى لماكرون التوسط لدى السعودية، لكن من حدثهم فهموا أن الخطوة المطلوبة من لبنان كي يثبت أنه يقوم بما عليه من واجبات في السعي لتخطي التأزم مع السعودية، هي الاستقالة. فباريس حرصت على عدم الظهور بمظهر من يملي على دولة سيدة، بقاء أو ذهاب وزير، باعتباره أمراً داخلياً بحتاً.

لماذا عاد “حزب الله” عن رفضه الحاسم خلال الأسبوعين الماضيين استقالة قرداحي؟

تولى ميقاتي في مروحة الاتصالات التي أجراها الإصرار على هذه الخطوة بالاستناد إلى ما تبلغه من ماكرون ومن الوزير بوحبيب. وهي اتصالات لم تقتصر على السعي من أجل إعلان وزير الإعلام تنحيه، سواء خلال لقائه به أو بالوزير السابق فرنجية، بل شملت أيضاً مسألة استمرار تعطيل الحكومة بسبب اشتراط الثنائي الشيعي ما يعتبره “حزب الله” ورئيس البرلمان نبيه بري “تصحيح المسار القضائي للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت”، وواكب هذه الاتصالات برفع الصوت إزاء شل عمل الحكومة، مؤشراً بذلك إلى نيته تصعيد الموقف من الفرقاء الذين يتسببون بهذا الشلل.

لكن ميقاتي تولى الطلب الواضح والصريح بوجوب الاستقالة، واجتمع لذلك إلى المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل، الذي سأله عن المقابل لاستقالة قرداحي وإذا كان إقدامه عليها سينهي المقاطعة الخليجية للبلد. حجة رئيس الحكومة بحسب مصادر سياسية واكبت حيال طلب الخليل الخطوة الخليجية المقابلة كانت أن علينا نحن أن نقوم بما علينا والاستقالة تفتح باب البحث وتتيح للرئيس الفرنسي الذي هو أكثر الذين يسعون إلى مساعدة لبنان أن يطرح المشكلة، ولا يمكننا أن ندير ظهرنا لطلبه أن نزوده بموقف يساعد في التوسط مع الجانب الخليجي. وبدل أن نطرح الشروط علينا التصرف واغتنام الفرصة، لأن البلد لا يحتمل. تسلح ميقاتي أيضاً بالامتناع عن صيغة إقالة قرداحي كي لا يقال إن لبنان خضع لإملاء خارجي في مسألة سيادية، على رغم أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان مستعداً لأي خطوة. فالإقالة كانت لتبدو خضوعاً لضغوط خارجية.

لا يستبعد المرجع اللبناني أن تكون واكبت الاتصالات المذكورة محلياً أخرى خارجية سهلت تليين موقف “حزب الله” من تنحي قرداحي بعد أن كان يمسك بها ورقة تحدٍ للجانب السعودي.

إلا أن بعض المعطيات أفاد بأن الحركة الضاغطة محلياً من أجل تفكيك العقد أمام استئناف الحكومة عملها أدت دوراً من خلال لقاءات ميقاتي مع بري ورئيس الجمهورية والحزب وفرقاء آخرين، بموازاة جهود من أجل إيجاد مخرج للتحقيقات في انفجار المرفأ يقضي بالفصل بين ملاحقة الوزراء والنواب الذين ادعى عليهم المحقق العدلي القاضي طارق بيطار بحيث تتم إحالتهم على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في البرلمان، وبين استئناف التحقيقات العدلية من قبله مع الجهات الأخرى التي يلاحقها. وهو أمر يترقب الوسط السياسي انعقاد الجلسة النيابية التي دعا بري إلى عقدها الثلاثاء المقبل لمعرفة ما إذا كان هذا المخرج سيرى النور بقرار من المجلس النيابي، طالما تعذر إخراجه من خلال القضاء.

إلا أن ما يتسرب عن قرب التوصل إلى مخارج يشير إلى أن إصرار ميقاتي على انعقاد مجلس الوزراء قد يفضي الى حلحلة على هذا الصعيد خلال أسبوع أو أسبوعين.

إلا أن السؤال يبقى حول مدى قابلية السلطات اللبنانية لتنفيذ ما اتفق عليه في جدة بين ماكرون وولي العهد السعودي وما جرى طلبه من ميقاتي خلال الاتصال الهاتفي الثلاثي. فاجتماع الحكومة لا بد من أن يشمل على بوادر تجاوب من الجانب اللبناني مع طلب السعودية وفرنسا منها القيام بالإصلاحات الشاملة المعروفة ومراقبة الحدود والتزام اتفاق الطائف وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع استقرار المنطقة ومصدراً لتجارة المخدرات.

إذ بدا ان الشق الاول من البيان المشترك يشدد على ما هو مطلوب من السلطات اللبنانية فيما الشق الثاني يتناول المساعدات لا سيما الإنسانية التي من الواضح أنها لن تتم من طريق الدولة بل من طريق آلية فرنسية – سعودية تضمن الشفافية، بما يعني ان المساعدات الاقتصادية ما زالت مرتبطة بالإصلاحات وبإبعاد البلد عن لعبة المحاور، الأمر الذي هو موضوع خلاف وانقسام لبناني.

شارك المقال