على من تضحك يا ماكرون؟

يارا عرجة
يارا عرجة

إنّها الزيارة الديبلوماسية الأكثر سخونة، إذ للمرّة منذ عام 2018، يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، “الرجل الأقوى” في المملكة العربية السعودية حسب وصف الصحيفة الفرنسية”Le Monde” ، للبحث في مسألة “الاستقرار” في الخليج ومناقشة الوضع اللبناني.

ليست فرنسا “أمّنا الحنون” وليس ماكرون “فاعل خير” ليسهر على استقرار المنطقة وينقذ لبنان من أزمة وجوده. هو مجرّد مرشّح للرئاسة الفرنسية تراوده أحلام “ديغولية” وطموحات “نابوليونية”، يستغلّ تغيير موازين القوى في المنطقة وتراجع قبضة الولايات المتحدة الأميركية، ليُعطي فرنسا مكانتها الضائعة في الشرق الأوسط، وتحقيق مكاسب خارجية على أمل أن تصبّ لمصلحته في صناديق الاقتراع في نيسان 2022.

يخوض ماكرون إذاً حملة انتخابية وسط جمهور غفير، لكن لبنانيا، لأنّ الخطوة التي راهن عليها لم تلقَ رواجاً في الشارع الفرنسي الذي يرى في السعودية والإمارات جرائم الحرب والإرهاب، على عكس اللبنانيين الذين يترقبّون ثمار هذا اللقاء، ولا سيّما بعدما أعلن ماكرون عن مبادرة فرنسية – سعودية لمعالجة الأزمة بين الرياض وبيروت.

ولكسب الرهان، يعتمد ماكرون على العلاقات التاريخية التي تربط بين فرنسا وبلدان المنطقة، والتي تعود لبدايات القرن العشرين عند انهيار الدولة العثمانية، وحقبة الاستعمار التي انتهت مع الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت حربها على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول، فسيطرت على أفغانستان ثمّ العراق وبسطت تالياً سلطتها على دول المنطقة. حينها، حاولت فرنسا إيجاد مكانة لها في ظلّ التغييرات الجيوسياسية الطارئة، سواء عبر دعم الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب أو في تصدّيها بالتحالف مع الغرب، للامتداد الشرقي، لكنّها لم تنجح. فهُمّشت فرنسا بعدما عرفت سياستها الخارجية نوعاً من الجمود وتخبّطت مع رياح الربيع العربي. إلاّ أنّ ماكرون ومع وصوله للإليزيه، أراد تحريك الملفات الديبلوماسية، فطرح مبادرات في العديد من المسائل الشائكة، كالشرق الأوسط مثلاً، وعزّز مكانة فرنسا في مجلس الأمن مسلّطاً الضوء على قدراتها العسكرية وقوتها النووية، وترميم صورتها الديبلوماسية كحيادها في سوريا بين الأطراف. لكن الاندفاع الذي أبرزه ماكرون في مسائل الشرق الأوسط، لم يتجلَّ ظاهراً في علاقاته مع الدول الأوروبية، والأزمة العالقة بين باريس وروما حول ليبيا خير مثال على ذلك، مما أدّى إلى استياء الفرنسيين. على الرغم من ذلك، لم يستسلم ماكرون ولم يهدأ ولم يستكن لأنه يسير على خطى شارل ديغول الذي يؤمن بأنّ العلاقات الخارجية، كما الداخلية تماماً، تصبّ لمصلحة الفرنسيين، مما قد يزيد من رصيده في الانتخابات الرئاسية. وهو يدرك تماماً مدى تأثير العلاقات الفرنسية – العربية ولا سيّما اللبنانية منها، في الشارع الفرنسي وذلك لتمركز الجالية اللبنانية في فرنسا طلباً للعلم والعمل.

ولتحصيل المكاسب الديبلوماسية، يحتاج ماكرون لأرض خصبة للنزاع، ليظهر أمام شعبه والشعوب العربية كمُنقذ، كرجل مناسب وخارق، بيده الحلّ لكلّ أنواع الأزمات. وقد وجد المقوّمات التي يحتاجها للظهور بأبهى حلله في لبنان، حيث الأطراف في حالة اشتباك دائمة والشعب ما زال ينادي بالانتداب.

أوّلاً استغلّ ماكرون تفجير 4 آب، فهبط في شوارع بيروت حيث احتضن الضحايا وهددّ وتوعّد، ثمّ اجتمع بالجلّادين وتعاون معهم، واستقلّ طائرته ورحل و”يا دار ما دخلك شرّ”. فعاد الشارع لهدوئه تحت تأثير المورفين الماكروني وكأن التفجير لم يكن. ثم كرّم فيروز وأثار عواطف اللبنانيين، هو الذي لا يعلم من هي فيروز ولم يُصغِ يوماً لأغانيها. وها هو يضرب من جديد متسلّقاً الخلاف الخليجي – اللبناني، ومتوسطاً بين الرياض وبيروت، مدعياً الخوف على مصالحنا، فيشدد في البيان السعودي – الفرنسي على “ضرورة حصر السلاح مع الدولة” كي لا يتعرّض لبنان للأعمال الإرهابية ولتبدأ الإصلاحات. وفي حين يُدرك ماكرون تماماً أنّ كفّ يد حزب الله هو الحلّ للنزاع اللبناني الداخلي ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، يستمرّ في دعمه بطريقة غير مباشرة. فيتجنّب الاشتباك مع حزب الله ولا يعتمد تجاهه سياسية الضغط الأوروبية والأميركية عبر فرض العقوبات، مُعتبراً أنّ مسألة حصر السلاح بيد الدولة شأن لبناني داخلي، لن يتحقق إلاّ بتعاون جميع الأطراف. وهو يعلم أيضاً، أنّ “الصفحة الجديدة” التي تحدّث عنها بن سلمان لن تبدأ إلاّ عند تحجيم حزب الله الذي يمتلك اليوم مفاتيح النفوذ والسلطة، مما يجعل هذا الأمر مستحيل، فعلى من تضحك يا ماكرون؟ وعن أيّ إيجابية تتحدثون؟

شارك المقال