لبنان ضحية “نمّور وأماندا”

الراجح
الراجح

من الواضح أن ازدواجية المعايير تعتبر إهانة لاحترام الناس لأنفسهم. اذهبوا واستمعوا الى ما يقوله الناس في بيوتهم وفي المقاهي والباصات اذا كنتم بحاجة لمعرفة سبب عدم احترامكم. هذا الاحترام، متواكباً مع ذهنيات عامة نافذة، لا يمكن لناشري الدعاية الثانويين فهمه، لأن ولع هؤلاء بالارتباط الوهمي بالسلطة يطبع استعبادها لهم. والحال ان هذه السلطة وما يشبهها عُرِّفا بوضوح من الباحث المميز في السياسات الدولية البروفسور الراحل هادلي بال حين كتب يقول: “إنها دولة خاصة، او مجموعة من الدول، تموضع نفسها عالياً، بوصفها الآمرة الناهية ذات السلطة على الخير المشترك للعالم أجمع، غير عابئة بآراء الآخرين، ما يجعلها تهديداً حقيقياً للبشرية”. كان لا بد من هذه الاشارة بعدما كثرت في الآونة الأخيرة، ومنذ اطلالة وتصريح العبقري مرتدي ثوب الزعيم وزير الاعلام الذي يعلم ويعلّم، المقالات والتحليلات والمواقف المليئة بكل أنواع العظمة والتاريخ والسيادة والاستقلال وحرية الرأي وبخاصة من “محور الممانعة” بالتركيز والتشديد على حرية الرأي ولننتبه جيداً لهذا لأن لقمان سليم اغتيل في مجاهل افريقيا على ايدي اعداء حرية الرأي والتعبير.

بعد التعمق بالكثير من المواقف وجدت نفسي غارقاً في اعادة رائعة الاديب موسى الحالول “التاريخ السري لكلبنا نمّور” وهو عنوان لمجموعة من القصص الرائعة، الا ان الأهم هو الكلب نمّور الذي يرتدي بذلة عسكرية وفي هذا رمزية لا تخفى على احد من القراء (فالجيوش في كثير من بلدان العالم الثالث مستقيلة من وظيفتها الوطنية في الدفاع عن اوطانها، فتختصر اهتمامها بالحفاظ على كراسي الزعماء) ثم يأتي غريب، وهو شخصية تظهر فجأة في القصة، بأهداف تتدثر بالعمل الانساني ليهدي الى نمّور شريكة حياة جميلة من سلالة “الرعاة الالمان” اسمها اماندا بعدما حاول شرطي بلدية العدوانية ان يقتل نمّور انتقاماً من زوجة اخيه التي رفضت ان تتزوجه بعدما مات زوجها. فهذه الكلبة المحبوبة “ترفض إلغاء الآخر اذ لا توجد مشكلة لا تحل بالتفاوض ولكلٍ مكان على طاولة الانتصار” وهذه العبارة الاخيرة مقولة السياسي الفرنسي الأسود ايميه سيزير.

وفجأة تتحول شخصية نمّور جذرياً بعدما ذاق الترف ونعيم الغرام. لم يعد يرضى باسمه الفلاحي نمّور وبدلاً من ان يدافع بضراوة عن قطيع اهله، كما فعل في اول الامر، يتحول بمرور الوقت وادمانه عشق أماندا الى عميل لذئاب المنطقة، يتواطأ معها على سرقة القطيع ويكتفي بما ترميه له من لحوم اغنام اهله. وهكذا هي حالنا اليوم. واذا اخرجنا هذه القصة من اطارها الرمزي ووضعناها في اطارها السياسي نعلم جيداً اين نحن والى اين ذاهبون!!

شارك المقال