فرنسا تسعى لصندوق مشترك مع الرياض يموّل مشاريع ملحة

وليد شقير
وليد شقير

اعتاد المنسق الخاص للمساعدات الفرنسية والدولية للبنان السفير بيار دوكين أن يزور لبنان من أجل تفقد ما آلت إليه الإصلاحات البنيوية التي وعد لبنان بتنفيذها منذ نيسان 2018 حين انعقد مؤتمر الإصلاحات والمساعدات الاقتصادية للبنان في باريس (سيدر) والتي لم يُنفذ منها شيء سوى إصدار بعض القوانين في مجلس النواب من دون وضعها موضع التنفيذ.

اعتاد دوكين التعقيدات السياسية التي حالت دون تطبيق لبنان البرنامج الإصلاحي الذي التزمه في ذلك المؤتمر، وبات خبيراً في الوضع السياسي المعقد الذي يمنع انتشال البلد من الحفرة التي وقع فيها وأخذت الشعب اللبناني إلى وضع مأساوي غير مسبوق، وربما سئم من مراجعة المسؤولين اللبنانيين بالإجراءات الموعودة لو لم يعينه الرئيس إيمانويل ماكرون بهذه المهمة، خصوصاً أن أموال “سيدر” التي كانت موعودة قد انتهى أجلها، ولم تعد مطروحة على الطاولة، وفق ما تبلغه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حين زار الإيليزيه في 24 أيلول الماضي عقب نيل حكومته الثقة.

أضيف إلى مهمة دوكين بند آخر هو البحث في سبل تنسيق المساعدات الإنسانية للبنانيين التي نص عليها البيان السعودي – الفرنسي المشترك عقب اجتماع ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة في 4 كانون الأول، أي قبل أسبوع تحديداً. فالبيان نص في آخر الفقرة المتعلقة بلبنان، وبعد تطرقه إلى حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وعلى احترام القرارات الدولية واتفاق الطائف… على “إنشاء آلية سعودية – فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما على إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني”.

يعتقد أكثر من مصدر ديبلوماسي فرنسي وأوروبي أن العبارة المتعلقة بالمساعدات هي البند العملي الوحيد الذي نجح ماكرون في إقناع ولي العهد السعودي بالموافقة عليه، باعتبار أن البنود الأخرى يصعب تنفيذها في ظل السلطة السياسية الحالية التي تخضع لضغوط ونفوذ “حزب الله” ولا سيما بوجود فريق في السلطة يحالف الحزب ولا يخالفه في السياسة الخارجية.

المعطيات من الأوساط الديبلوماسية الفرنسية تشير إلى أن الآلية التي أشار إليها البيان هي التي ستعطى الأولوية في مجال التنسيق الفرنسي – السعودي حول لبنان، مع إبقاء التشاور مفتوحاً في شأن القضايا السياسية المعقدة التي تناولها. وهذه الآلية يرجّح أن تكون على شاكلة إنشاء هيئة هي أقرب إلى صندوق دعم للبنانيين تشترك فيه الدولتان يتولى تمويل مشاريع مختلفة ملموسة وعملية لمساعدة الشعب اللبناني على مواجهة الضائقة المالية والحياتية، على أن تنفذ وتُصرف أمواله عبر المنظمات غير الحكومية وليس عبر المؤسسات الرسمية، من دون أن يعني ذلك عدم التواصل مع تلك المؤسسات الرسمية أو إفادتها منه، خصوصاً أن هذه المشاريع ستتناول قطاعات الصحة والتعليم والغذاء، إضافة إلى مساندة الجيش وقوى الأمن الداخلي وسائر المؤسسات الأمنية.

وحسب مصادر فرنسية، تقوم باريس بدراسة شكل هذا الصندوق من جهة والمشاريع المحددة التي يمكن إطلاقها في المجالات الحياتية التي يعاني اللبنانيون من تدهور في خدماتها وفي القدرة على توفيرها لهم، نظراً إلى أوضاع مؤسسات الدولة شبه المشلولة أو المفلسة. وعند التوصل إلى تصور واضح سيعرضه الجانب الفرنسي على الجانب السعودي من أجل مناقشة الاقتراحات التي يتضمنها. إلا أن باريس تتعاطى مع هذا الموضوع بصفة العجلة وتسعى لإحداث تقدم سريع في هذا الشأن.

والأوساط الفرنسية لا ترى أن هذا الصندوق أو أي صيغة يتم التوصل إليها يجب أن يرتبط بالمواضيع السياسية التي تواجه المشهد السياسي اللبناني، على الرغم من أن معالجة المعضلات السياسية التي تعصف بالوضع اللبناني وتزيده تأزماً على الصعيد الاقتصادي والمعيشي قد تساعد على التعجيل بقيام هذه الصيغة التمويلية للمشاريع الملحة للتخفيف من معاناة اللبنانيين. لكن إحداث تقدم في الحلول للعناوين السياسية يتوقف على الجانب اللبناني سواء في العلاقة مع السعودية أو مع المجتمع الدولي. ويُتوقع أن تشمل المشاورات في هذا الصدد مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بتقديم المساعدات للبنانيين والتي تعنى بالقضايا الاجتماعية.

هل التقدم على المستوى السياسي في معالجة النقاط التي أثارها البيان الثنائي ممكن من دون التواصل بين لبنان والسعودية، كزيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الرياض مثلاً؟ وهل طرح ماكرون هذه الخطوة على ولي العهد السعودي؟ الجانب الفرنسي يرى أن الأمر لم يكن بهدف تأمين زيارة لميقاتي أو لغيره، لأن المهم هو تدشين حوار بين لبنان والمملكة.

فالجانب السعودي لم يكن في أجواء التساهل مع الجانب اللبناني بعدما عبّر عنه أكثر من مسؤول سعودي وخليجي عن هيمنة “حزب الله” وإيران على السلطة السياسية في لبنان، ولم تكن الرياض ترغب بطرح الموقف من الأزمة مع لبنان على الشكل الذي حصل، لكن إصرار ماكرون على ذلك وعلى تشجيعها على العودة للاهتمام بأوضاعه وعدم تركه يتخبط بالتدخلات على أنواعها من إيران إلى تركيا وغيرها، خصوصاً أن لدى ماكرون التزاماً شخصيا أخذه على عاتقه من أجل إنقاذ لبنان من الانهيار الكامل. لكن المبدأ الأساسي هو أن ما يطالب به المجتمع الدولي من السلطات اللبنانية من إصلاحات وحلول للعقد، يتوقف على المسؤولين اللبنانيين. والمطلوب بات من البديهيات.

شارك المقال