هل يكون ميقاتي كاظمي لبنان؟

جورج حايك
جورج حايك

يشعر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ويفرح ويغني ويلحن، لكن ما ينقصه هو الأفعال. أطربه البيان الفرنسي – السعودي، وانتشى قلبه باتصال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قال له “نريد أن نفتح صفحة جديدة مع لبنان”.

هذا ما عرفناه من مصادر ميقاتي، لكن لم يعرف الشعب اللبناني في لحظة النشوة بقية الكلام وما طلبه بن سلمان منه، فلماذا لم نسمع إلا “لا إله” من دون “إلاّ الله”، ولماذا تجنّب ميقاتي الإفصاح عن مضمون الكلام الذي جاء، وفق مصادر ديبلوماسية، على شكل شروط أهمها:

أولاً، “حزب الله” وملفات الأمن الإقليمي، من منع تهريب الكبتاغون إلى السعودية ومنع “الحزب” من المشاركة في حرب اليمن.

ثانياً، الإصلاحات التي تشكّل باباً للمساعدات المالية.

للوهلة الأولى، لاقى ميقاتي، وهو المتلهّف لإعادة العلاقات مع السعودية، هذه الشروط بايجابية وحماسة، إلا أنّ أحداً لم يسأله عن آلية التنفيذ، فهذه ليست من مسؤولية السعودية وفرنسا، إنما تتطلب قرارات حاسمة وحازمة من السلطات اللبنانية ورئيس الحكومة يبدو في الواجهة، إذ حمّله اتصال بن سلمان والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هذه المسؤولية، ووُعِدَ باستقباله في السعودية، وهذا ما أصبح حتمياً.

لا شك أنّ القيادة السعودية أرادت إعطاء فرصة لميقاتي، صاحب النيّات الإيجابية حيال الخليج والراغب في إعادة ترميم العلاقات معها. ويتطلع السعوديون إلى نموذج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي عمل أولاً على تحسين سيطرة الحكومة على المعابر الحدودية المتعددة في العراق، حيث تسبّبت هذه الخطوة في توفير 60 مليون دولار أميركي لخزينة الدولة، وحرمت الجماعات المسلّحة وعصابات إجرامية أخرى كانت تسيطر على هذه المعابر، من الوصول إلى ملايين الدولارات. وقام ثانياً، بتعيين قادة جدد في أكثر المناصب الأمنية حساسية، وتهميش تلك التي تعتبر موالية لإيران. وانخرط ثالثاً في التواصل المكثف مع الدول العربية، وحسّن العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعمل على اتفاقات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الأردن ومصر وغيرهما.

قد لا يكون ميقاتي كالكاظمي، إذ أنّ شخصيته مختلفة من ناحية الديبلوماسية والميل إلى تدوير الزوايا والهروب من المواجهة والقبول بأنصاف الحلول، لكنه لا يملك خيارات كثيرة، إذا أراد إرضاء السعودية وخلفها دول الخليج. ليس مفاجئاً قبول ولي العهد السعودي الاتصال بميقاتي، وقد عمل ماكرون جاهداً لإظهاره بصورة قد لا تنطبق مع صورته الحقيقية، إذ جيّر له إنجاز إقناع وزير الإعلام جورج قرداحي بالاستقالة، علماً أنّ هذه العملية بادر إليها المسؤولون الفرنسيون بالتنسيق مع ميقاتي، إلى إجراء اتصالات بمسؤولين لبنانيين، وشملت الاتصالات قيادة “حزب الله”، واستكملت باتصال أجراه ماكرون مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قدّم، وفقاً للمصدر، استقالة قرداحي عبر إعلان “الحزب” تفهمه لأيّ خطوة يفعلها قرداحي بعدما كان رافضاً للاستقالة!

أما قضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ومقاطعة وزراء الثنائي الشيعي للضغط على الحكومة ورئيسها بغية الاستغناء عن القاضي طارق البيطار، فلم تصل إلى نتيجة، وقد يكون ميقاتي صامداً حتى الآن، لكن إلى متى؟ وماذا عن التسويات التي تُطرح من هنا وهناك للتضحية بالتحقيق المتعلق بانفجار المرفأ.

يُمسك “حزب الله” ميقاتي من اليد التي تؤلمه، أي تعطيل الحكومة التي لا يمكن من دونها استكمال الإصلاحات، وبالتالي لا تكفي النيّات الحسنة وحدها لمواجهة التحديات، فكيف سينفّذ ما طلبه السعوديون منه، وهو لا يجرؤ على دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد بمن حضر؟

في المقابل، لا التباس لجهة العودة السعودية إلى الاهتمام بالملف اللبناني وقد تجلت في لقاء بن سلمان – ماكرون، ثم في جولة ولي العهد السعودي الخليجية، التي أرسلت فيها إشارات سيادية متعددة، وذات أهمية تتعلق بالدولة اللبنانية ودورها، وحصر السلاح بها، وضبط حدودها وأرضها، محذّرة من الأنشطة الارهابية لـ”حزب الله” المزعزعة للاستقرار.

ينتظر الخليجيون عموماً والسعوديون خصوصاً أن يتلقّف ميقاتي الفرصة، ويستفيد من وجود توازن عربي حقيقي في مواجهة المشروع الإيراني، بحيث لم يعد لبنان وكل الدول التي تخضع لتأثير الأذرع الايرانية متروكة لقدرها ومصيرها. ومن المتوقع أن يستمع ميقاتي في حال تمت زيارته إلى السعودية إلى النقاط الآتية:

أولاً، العمل على وضع حدّ للسلاح خارج مؤسسات الدولة الشرعية وضرورة حصره فيها، مما يعني تنفيذ القرار 1559 وتطبيق اتفاق الطائف لجهة ضرورة تسليم “حزب الله” سلاحه للدولة اللبنانية.

ثانياً، وضع حدّ لاستخدام الأراضي اللبنانية منصّات لاستهداف الدول الخليجية، وبؤر للتنظيمات الإرهابية التي تستهدف هذه الدول، مما يعني ضرورة أن تبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وتمنع وجود بؤر خارج سيطرتها على غرار واقع الحال اليوم من خلال المساحات التي يسيطر عليها “حزب الله”.

ثالثاً، وضع حدّ للحدود اللبنانية السائبة التي تصدّر منها المخدرات، مما يعني أنه على الدولة اللبنانية أن تمسك حدودها الممسوكة اليوم من “حزب الله”.

رابعاً، وضع حدّ للفساد المستشري في مؤسسات الدولة عن طريق إجراء اصلاحات سياسية واقتصادية، مما يعني وضع حدّ للتحالف القائم بين من يغيّب الدولة (حزب الله)، وبين من يديرها (القوى الحليفة للحزب والتي تغطي سلاحه).

خامساً، وضع حدّ لدور الحزب الذي صنّفته البيانات الخليجية المتوالية صراحة بالإرهابي.

لا يبدو ميقاتي حتى الآن مستعداً للانخراط في المواجهة، على الأقل اتخاذ قرارات لاستعادة الدولة. لكن السعوديين ينتظرون أي اشارة جدية منه، إذ لا شيء مجانياً في التعامل بين الدول. فإذا قام بخطوات سيادية، سيُبادل سعودياً وخليجياً بخطوات داعمة لوقف الانهيار. وإذا أقدم على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، سيلاقيه السعوديون في منتصف الطريق ليساعدوا لبنان على تجاوز أزماته. تعرف القيادة السعودية أنّ ميقاتي لا يستطيع وحده أن يحقق كل هذه النقاط، إلا أن تجربة الكاظمي الذي سعى، على الأقل، للحد من السيطرة الايرانية، وقد كلّفه ذلك محاولة اغتيال نجا منها، علماً أن الخطوة التي قام بها تسجّل له! فمن يريد إنقاذ وطنه، يجدر به المغامرة والسير في طريق محفوف بالمخاطر.

ختاماً، من المتوقع أن يعطي السعوديون رئيس الحكومة مهلة زمنية، من أجل ترجمة نيّاته الحسنة إلى أفعال، وهم يعرفون أنه يمكنه الاعتماد على حلفاء لها أقوياء في لبنان، في حال أراد ذلك، فهل يفعلها؟!

شارك المقال