ملهمو الحكم العوني

محمد شمس الدين

تقول سِيَر حياة حكام العالم أنهم تأثروا بشخصيات سبقتهم أو أحيانا عاصرتهم، وأغلب الشخصيات التي يقول الحكام أنهم تأثروا بها، هم أباطرة وملوك وحكام سابقون. اليوم يعيش لبنان “نعيم الحكم العوني”، لا نجرؤ على قول “جهنم الحكم العوني” وإلا قد نجد اسمنا على المطار بين المطلوبين بتهمة الإساءة لفخامة الرئيس، فمن أثر بالرئيس ميشال عون وأعطاه هذه الحكمة العظيمة ليكون أفضل رئيس جمهورية في تاريخ لبنان.

يجب البحث بعمق في التاريخ لمعرفة من هو الامبراطور أو الحاكم الذي جعل فخامة الرئيس كما هو عليه اليوم، فهو لم ينتق شخصية واحدة لتكون مثاله الأعلى، بل هي سمات مختلفة من شخصيات كتب عنها التاريخ.

أولا تأثر فخامته بالرومان، وتحديدا بالامبراطور لوسيوس أوريليوس كومودوس، الذي اعتبر نفسه إلها، وسمى شعبه وامبراطوريته باسمه في اشارة إلى أن شعبه بأكمله هو من أولاده، تماما كـ”بي الكل”.

وبما أن كل إله بحاجة لإثبات ألوهيته، وجد عون أن طريقة فرناندو الثاني ملك اسبانيا (1516) هي الأنسب، إذ أسس الأخير محاكم التفتيش الاسبانية وخاض حربا دينية ضد كل من يعادي الكنيسة الكاثوليكية، وفي حالة المملكة العونية محاكم التفتيش هي عبارة عن شعراء بلاط في كل القطاعات يحاربون أي معترض على الالوهية العونية، إما بالتهديد أو بالتشهير.

لا يكفي أن تكون إلها، يجب أن يكون هناك خطة للحكم، ويبدو أن فخامته وجد ضالته بالملك هيرودوس أنتيباس الروماني، الذي رأى أن أفضل طريقة للحكم هي بمعاداة جميع الأقطاب، تارة يحالفهم وتارة ينقلب عليهم، وهو ما يشتهر به “العهد القوي”.

أما على الصعيد الحياتي فيبدو أن فخامته تبنى خطط القيصر نيقولا رومانوف الثاني، قيصر روسيا، الذي تميز حكمه بالانهيار الاقتصادي والمعارك العبثية، وهو تماما ما يعيشه لبنان بظل حكم القيصرية العونية.

أما لجهة التعامل مع منتقديه يبدو أن فخامته اتجه إلى أسلوب ملك الروايات الخيالية، هو الملك آريس تارغاريان في رواية أغنية الجليد والنار، الذي عندما ثار شعبه ضده ، قال جملته الشهيرة: “احرقوهم جميعا”، وها هو لبنان ينعم بـ”جهنم انتقام الرئيس عون من الطائف”.

قد يقرأ اللبنانيون آلاف السير الذاتية والروايات الخيالية لمحاولة معرفة من هم ملهمو رئيسهم، لكنهم سيفاجأون عندما يتيقنون أن أسوأ حكام التاريخ في الحقيقة والخيال، هم نقطة في بحر جهنم العونية السياسية، التي لم يستطع أي حاكم في تاريخ العالم، بل حتى لدى مؤلفي الروايات الخيالية، أن يصلوا إلى هذا الإبداع في تدمير وطن.

شارك المقال