غوتيريش القلق يتفحص القدرة على الاستجابة بعد الارتطام

وليد شقير
وليد شقير

زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بيروت لن تكون معزولة عن آخر المواقف الدولية الصادرة حول لبنان. لكنها تأتي في ضوء قلق كبير على تدهور أوضاعه المالية والمعيشية جراء تمادي التأزم السياسي وامتداداته الخارجية الإقليمية والدولية، التي تلقي بثقلها على المعالجات المطلوبة لهذا التدهور.

فالمنظمة الدولية التي تتجمع لدى دوائرها الأرقام المخيفة لسرعة انحدار ظروف اللبنانيين على الصعد كافة، مما يعني أنها تستند في خشيتها من المزيد من التدهور إلى معطيات دقيقة. والزيارة بهذا المعنى يمكن تلخيصها بأنها تتوخى توجيه رسالة تضامن مع لبنان واللبنانيين، والتأكد من أن الهيئات التابعة لها قادرة على التخفيف من احتمالات الانهيار الكامل للبلد من جهة، ومن قدرة هذه الهيئات على التخفيف من تداعيات هذا الانهيار والارتطام الكبير جراء العجز الكامل للدولة بعد وقوعه في حال حصل. فغوتيريش مطّلع على أوضاع لبنان الصعبة قبل تبوئه المنصب حين كان المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين وسبق أن زاره بهذه الصفة لمتابعة قضية أوضاع مخيمات النازحين السوريين فيه وآثار ذلك على اقتصاده وتركيبته الاجتماعية والسياسية الهشة. فالأمم المتحدة تدرك أن الحلول السياسية في حال انسداد كامل وأن العقبات تتراكم بسبب الخلافات أمام استكمال الحكومة التي علقت الأمم المتحدة وسائر الدول الأعضاء فيها آمالاً على تشكيلها ما لبثت أن تراجعت.

ويُعتبر الاجتماع الذي سيرأسه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الكبير، في حضور رؤساء وممثلي كافة المنظمات والهيئات التابعة للأمم المتحدة في لبنان الأكثر أهمية بهدف تنسيق التعاون بينها كلها وتفحص مدى قدرتها على الاستجابة لحاجات لبنان في أسوأ الحالات.

الأمين العام للمنظمة الدولية يتصرف تجاه الأزمات الدولية والإقليمية عادة وفق محصلة ما يتجمع من توجهات الدول الفاعلة في مجلس الأمن، ويأخذ في الاعتبار أيضا المحيط الإقليمي الذي يتحرك في ظله. بالنسبة للبنان، فإنه ينطلق من انغماس معظم منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، في تفاصيل الأزمة اللبنانية وبالمساعدات الإنسانية والقطاعية التي تقدمها للبنانيين، عبر منظمة الأغذية العالمية و”يونيسيف” ومنظمة الصحة العالمية ومفوضية شؤون اللاجئين. وكلها تنفق مئات ملايين الدولارات على تلك المساعدات وآخرها برنامج دعم لـ1.1 مليون من اللبنانيين الأكثر ضعفا والمهاجرين المتأثرين بالأزمة المستمرة، بقيمة 378.5 مليون دولار أميركي. هذا ما عدا المساعدات التي قدمتها اليونيسكو للمدارس المتضررة من انفجار مرفأ بيروت ومن التدهور الاقتصادي والمالي، والاتفاقات مع البنك الدولي ومشاريع شبكة الأمان الاجتماعي التي يفترض التوصل إليها في إطار الاتفاق الموعود مع صندوق النقد الدولي على خطة التعافي الاقتصادي والمالي، في سلة متكاملة من الإصلاحات البنيوية وتحريك الاقتصاد وتصحيح الوضع المالي.

لا تحصى المشاريع المنخرطة فيها منظمات الأمم المتحدة اقتصادياً، والتي يشرف مكتب المنسقة الخاصة لأنشطة المنظمة الدولية وممثلة الأمين العام في بيروت يوانا فرونتسكا، على تنسيقها وعلى العلاقة السياسية مع السلطات وسائر الأطياف اللبنانية، فضلاً عن متابعتها نشاط قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، فضلاً عن تنسيقها اجتماعات مجموعة العمل الدولية حول لبنان والمواقف التي تصدر عنها في شكل دوري وتضم الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.

ومع أن كُثُراً في لبنان ينظرون إلى دور المنظمة الدولية على أنه خاضع لمواقف الدول النافذة في مجلس الأمن، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، فإن أهمية الأدوار التي تلعبها في الأزمات، وخصوصاً في لبنان، أنها حصيلة تلاقٍ وتقاطع بين الدول المؤثرة قريبة كانت أم بعيدة، لكنها أيضاً لا تأخذ في بعض الأحيان بحساسية بعض الدول إزاء الوضع السياسي المعقد والخاضع للاستقطاب الإقليمي مثلما هو حاصل في لبنان.

بمراجعة قرارات مجلس الأمن في شأن لبنان، والبيانات الصادرة عنه وعن الأمين العام وتقاريره عن الجنوب، تتراكم العناوين التي يمكن أن يطرحها غوتيريش في محادثاته مع كبار المسؤولين اللبنانيين، وهي قد تحتاج إلى أيام من البحث والتفاوض. لكن الزيارة تتم بعد حدثين طازجين هما البيان الفرنسي – السعودي الذي صدر في خضم أزمة لبنان مع دول الخليج، إثر اجتماع الرئيس إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والذي تناول الوضع اللبناني مستعيداً القرارات الدولية المعنية بجذور الأزمة اللبنانية، ولا سيما القرارات 1701، و1559، و1680. أما الحدث الثاني فهو بيان مجلس التعاون الخليجي بعد اجتماعه على مستوى القمة الذي تبنى كل ما ورد في البيان الفرنسي – السعودي وزاد عليه اتهامه “حزب الله” مباشرة بالقيام بأعمال إرهابية في الدول العربية. وسبقت ولحقت هذين الحدثين جملة مواقف أميركية تشدد الهجوم على الحزب وتهدّد بعقوبات ضد سياسيين فاسدين في لبنان.

ولذلك قد لا يتمكن غوتيريش الذي أصر على القيام بالزيارة نتيجة الدعوة الملحة التي وجهها إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حين التقاه في غلاسكو في قمة المناخ الشهر الماضي، من التطرق إلى كافة العناوين التي ترد في كل القرارات الدولية، أو من إجراء مباحثات معمقة في شأنها كلها، لكن تحديد جدول الأولويات ينطلق من طبيعة الأزمة الاقتصادية الحياتية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون، ومن الأزمة السياسية التي تتسبب بشلل حكومي يرتّب تداعيات على المعالجات الطارئة المطلوبة للأوضاع الاجتماعية.

وفق مصادر ديبلوماسية دولية تقترن رسالة التضامن والتعبير عن القلق، مع حثّ كبار المسؤولين على إزالة العقبات من أمام تحقيق الإصلاحات وإحداث تقدم في الحلول عبر إنجاز التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

لن يحمل غوتيريش جديداً في شأن قضية النازحين السوريين والفلسطينيين الذين كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طالبه بالعمل على إعادتهم إلى مناطق يعتبر أن بعضها باتت آمنة، وتشجيعهم على ذلك بتقديم المساعدات الأممية لهم على الأراضي السورية، لكن لدى الأمين العام تقارير عن محدودية قدرة معظمهم على العودة لأن هذه المناطق مدمرة.

إلا أنه سيشدد كما في بيانات سابقة على أولوية إجراء الانتخابات النيابية المنتظرة الربيع المقبل في موعدها وفق ما ينص الدستور مع استعداد الأمم المتحدة على المساعدة على تأمين متطلباتها التمويلية واللوجيستية، مع التمني أن يكون للمرأة حضور جديد في هذه الانتخابات.

وإذا كان تكراره دعوة لبنان إلى تنفيذ القرار 1701 في الجنوب والقرار 1559 من البديهيات، فإن زيارته للقوات الدولية في الجنوب للمرة الأولى كأمين عام ستتم في ضوء تشديده حلال المحادثات على جملة أمور:

– التأكيد على تثبيت وقف الأعمال العدائية، والتمهيد لمرحلة وقف إطلاق النار الكامل.

– ضمان حرية الحركة لقوات يونيفيل في منطقة عملياتها في ظل استمرار أعمال عرقلة انتقالها في القرى، لأداء مهماتها.

– التمهيد للسيطرة الكاملة للجيش اللبناني وانتشاره في الجنوب.

– حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. وقد يثار في هذا المجال وجوب تنفيذ الوعد الذي سبق للرئيس عون أن أطلقه منذ نيسان 2018 قبيل مؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني، بإطلاق الحوار الداخلي حول الاستراتيجية الدفاعية، ولم ينفذ حتى الآن.

وينتظر أن تأخذ خطوات دعم الجيش اللبناني الذي كان مجلس الأمن طلب من قوات يونيفيل تقديمه بالمواد الغذائية والطبية والمحروقات (بدأته يونيفيل قبل أيام) حيزاً مهماً، نظراً إلى أن المشاورات الجارية في واشنطن ومع باريس حول تأمين مقومات الصمود المالي للجنود والضباط إثر تدهور رواتبهم جراء الانخفاض الهائل في سعر صرف الليرة، تشمل وضع صيغة مع الأمم المتحدة وفق آلية دعم دولية.

لكن غوتيريش سيولي أهمية في نشاطه تتعدى لقاءاته مع كبار المسؤولين، إذ سيجتمع مع ممثلين عن قطاعات المجتمع المدني، وعن منظمات شبابية، ويُنتظر أن يزور مدينة طرابلس للاطلاع عن قرب على نماذج الفقر المدقع التي انزلقت إليها مناطق لبنانية إثر انفجار الأزمة الاقتصادية.

شارك المقال