“لا قرار” الدستوري بين شد الحبال ومواقف الرجال

هيام طوق
هيام طوق

على وقع قرار المجلس الدستوري في شأن الطعن المقدم من تكتل “لبنان القوي” بما خص تعديلات قانون الإنتخابات، يعيش البلد منذ نحو شهر لان الجميع من مختلف الأطراف والأحزاب والتيارات ينتظرون القرار للانطلاق الفعلي في الاستحقاق الانتخابي الذي يعول عليه الكثيرون في التغيير في حين ان البعض الآخر يعتبر انه لن يغير في المعادلة السياسية القائمة.

وأمس، كانت كل الانظار موجهة الى المجلس الدستوري الذي لم يتوصل الى قرار في الطعن بقانون التعديلات على قانون الانتخابات، وبالتالي تبقى التعديلات سارية المفعول وأهمها اقتراع المغتربين وفق الدوائر الانتخابية في لبنان لـ128 نائبا إذ شدد رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب على ان “الكل ينتظر موضوع الطعن كأنه سيحل أزمة لبنان وفي الحالتين، ان قبلنا الطعن او لم نقبله ستحصل الانتخابات، تتغير فقط دائرة المغتربين. وفي النتيجة لم نستطع تأمين باتجاه واحد أكثرية سبعة أعضاء على جميع النقاط المطروحة. ويعتبر القانون المطعون فيه ساري المفعول وتجري الانتخابات وفقا للقانون كما تحددها وزارة الداخلية بمرسوم”. وتم تنظيم المحضر لابلاغه إلى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، على أن ينشر في الجريدة الرسمية.

وجاء قرار المجلس الدستوري بعد الحديث عن صفقة لم يتم التوافق على صيغتها من قبل الرؤساء الثلاثة، إلا ان مشلب أكد ان “لا خلفية سياسية للقرار. النقاش كان بخلفيات قانونية. اما الصفقة بين اصحابها ولا تصل الى أبواب المجلس الدستوري كما ليس هناك أي انقسام طائفي، معتبرا انها قد تكون “سقطة” للمجلس الدستوري في نقطة معينة”.

وبعد عدم استطاعة الأعضاء العشرة التوافق على صيغة مشتركة تقضي بردّ الطعن أو قبوله، انقضت الجلسة أول من أمس إلى لا قرار، فعقدت جلسة الحسم بالطعن أمس عقب اكتمال النصاب القانوني، وهو 8 من عشرة أعضاء، والقرار يجب ان يتخذ بأكثرية 7 أعضاء.

وكان تكتل “لبنان القوي” قد تقدم في اليوم الأخير للمهلة المتاحة أمامه، بطعن في تعديلات قانون الانتخاب أمام المجلس الدستوري، وذلك لناحية احتساب نصاب الحضور في الجلسة التشريعية التي أقرت القانون، وتدخل السلطة التشريعية بعمل السلطة التنفيذية، ومنع المقترعين في الخارج من اختيار ستة نواب يمثلونهم حسب القارات التي يقيمون فيها، وتقريب موعد الانتخابات بشكل غير قانوني.

وفور تسجيل الطعن أمام المجلس الدستوري المؤلف من 10 أعضاء، يعين رئيس المجلس مقرراً من الأعضاء لوضع تقرير في القضية خلال مهلة 10 أيام من تاريخ إبلاغه قرار تعيينه، وفور ورود التقرير، يبلغ رئيس المجلس نسخاً عنه إلى الأعضاء ويدعوهم إلى جلسة تُعقد خلال 5 أيام من تاريخ ورود التقرير، للتداول به وإصدار القرار في مهلة أقصاها 15 يوماً من تاريخ انعقاد المجلس.

وفي احاطة لقرار المجلس الدستوري، تحدث ” لبنان الكبير” مع الوزير السابق خالد قباني الذي لم يشأ التعليق، مكتفيا بالقول: “لا أدري ما الذي حصل لكن مؤسف ان يتعطل صمام الامان الدستوري لنظامنا السياسي”.

أما نقيب محامي طرابلس والشمال السابق محمد المراد، فأوضح ان “القرار الذي صدر عن المجلس الدستوري يعني ان قانون الانتخابات ببنوده كافة بما فيها المواعيد وانتخاب المغتربين ساري المفعول وكأن الطعن لم يحصل، مشيرا الى ان عدم البت بالطعن كأنه مرفوض”.

ولفت الى انه “قد يكون عدد من القضاة الاعضاء في المجلس الدستوري لديهم وجهة نظر دستورية بعدم قبول الطعن وهناك وجهة نظر أخرى بقبول الطعن. واذا أخذنا الامور بحسن نية وبظاهر الحال، نقول انه بغض النظر من معه حق، واذا كانت المسألة دستورية بحتة، فمن الممكن ان تحصل هكذا حالة، مشيرا الى ان قانون انشاء المجلس الدستوري يقضي بعدم التوصل الى مرحلة اللاقرار، لكن المشرع قال عندما لم يتم التوصل الى قرار او لم يتأمن النصاب ومرت المهلة القانونية، يعتبر القانون المطعون فيه ساري المفعول أي ان المشرع أوجد حلا. وبالتالي كان متوقعا ان تصدر هذه النتيجة لأن الأجواء السياسية أوحت بذلك”.

وأضاف: “جيد اللجوء الى القضاء وهنا المجلس الدستوري كان أمامه 3 احتمالات: اما ان لا يتوصل الى قرار أو قرار برفض الطعن أو قرار بقبول الطعن. نحن أمام حالة كأن الطعن قد رفض لأنه بعدم اتخاذ القرار من المجلس الدستوري يعتبر القانون المطعون فيه هو النافذ والساري المفعول. واذا أخذنا الامور من الناحية القانونية البحتة، فالمسألة طبيعية كأي حكم يطعن به لكن للاسف دائما يتم ربط الامور من هنا وهناك بالسياسة، ونسمع احاديث عن الصفقات والتسويات كما حصل أول من أمس”.

ولم يستبعد ان يكون “هناك آثارا وتداعيات لقرار المجلس الدستوري، ولا شك انه سيحصل ارباكا على المستوى المؤسساتي كما هناك تخوف من عرقلة الانتخابات لأننا نمر بأجواء استثنائية وصعبة، وعندما يفتش الانسان عن مصلحته ينسى الآخرين. ونحن نسير نحو استحقاق انتخابي، وهذا ليس بالامر البسيط، وكل فريق يحاول اعادة تثبيت نفسه، وبالتالي، من الممكن ان نشهد شد حبال وصولا الى الانتخابات”.

من ناحيته، استغرب مدير مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية” محمد زكور “ما آلت اليه الامور، والقرار الذي اتخذه المجلس الدستوري الذي توصل الى قرار هو موقف بين موقفين وبين بينين. كان من واجب المجلس الدستوري ان يبتّ اما بدستورية القانون المطعون به واما بعدم دستوريته. اما ان تكون الصيغة صيغة لا قرار فهذا يعني ان المجلس الدستوري حاول ان يرفع عن نفسه أي احراج وأي قرار، ونحن في هذا المعرض نستغرب ان هيئة عليا كالمجلس الدستوري تجيب بأن لا قرار لديها، لذلك هو استقالة تامة من واجباته لأننا لا نستطيع ان نفهم للحظة كيف لهيئة عليا تسمى المجلس الدستوري وتتمتع بكل الصلاحيات ان لا تستطيع التوصل الى قرار بدستورية قانون من عدم دستوريته”.

وختم: “اذا أردنا ان نحسّن الظن، نقول ان المجلس الدستوري لم يقم بواجبه على أكمل وجه ان لم نرِد ان نصدق السيناريو الذي يقول أن قرار المجلس يعكس بوادر طبخة سياسية معينة مع العلم انه من الناحية الدستورية قرار اللاقرار أي ان القانون المطعون بدستوريته يبقى نافذا”.

شارك المقال