“حزب إيران” متيقن من “النصر” لفرض شروطه على الداخل

عبدالوهاب بدرخان

هل هناك فعلاً حلولٌ لوقف المواجهة بين “حزب إيران/ حزب الله” وإسرائيل؟ لا، فـ “الحزب” هو الذي بدأها واستمرّ عليها وربطها بإنهاء الحرب على غزّة. إذاً، فالأبواب مغلقة أمام المحاولات الديبلوماسية الأميركية والفرنسية. واشنطن أدركت سريعاً أن لا جدوى من مواصلة مساعيها، وأصبحت زيارات المبعوث آموس هوكشتاين وسيلة لحصر الأفكار والاقتراحات في انتظار الوقت المناسب، بحيث تكون جاهزة للتفاوض عليها بعد الحرب. أما باريس فتعتقد من جهة أنها ملزمة بالحفاظ على الحضور الفرنسي الى جانب الأميركي، ومن جهة أخرى أن من الخطورة بمكان ترك الوضع تحت رحمة التصعيد الميداني ولا بدّ من رسم أفق سياسي قد يُفلح في لحظةٍ ما أو يمدّد الانتظار الى ما بعد غزّة.

معلوم أن إيران كانت أوعزت الى ميليشياتها بالتحرك ضد إسرائيل، لكنها طلبت عدم توسيع الحرب في جنوب لبنان، لما فيها من مخاطر على “حزبها”، وتلقّت بإيجابية الموقف الأميركي المبكر الذي نهى إسرائيل عن مهاجمة لبنان، حتى من دون أي تفاهم مع طهران. ونتيجة للتفاوض غير المباشر بين الطرفين وافقت واشنطن على أن تبقى أنشطة الميليشيات الايرانية تحت سقف “ضوابط” جرى التوافق عليها. وسرّبت طهران أنها عرضت خلال هذا التفاوض وقف الحرب على غزّة مقابل وقف حراك ميليشياتها ضد اسرائيل، لكن واشنطن رفضت هذه المعادلة. حاول الإيرانيون اختبار جدّية أميركا عبر استهداف قاعدة التنف وقتل جنود أميركيين فجاءهم الجواب بضربات قوية في العراق واضطروا الى إخراج “كتائب حزب الله- العراق” من أي خطط هجومية ضد القواعد الأميركية أو إسرائيل. وحتى عندما قرّرت إيران الردّ على تدمير قنصليتها في دمشق عرضت أيضاً وقف الحرب في غزّة مقابل عدم الردّ، ولم تجد استجابة أميركية، فاضطرّت الى شنّ هجومها المحدود الذي بادرت الى اعلان انتهائه قبل أن ينتهي فعلاً.

في الأثناء، عوّل “حزب إيران/ حزب الله” ولا يزال على الموقف الأميركي، ولم يقدّر أن هذا الموقف يمكن أن يتغيّر بدرجة أو بأخرى. اعتبر أن لديه ضوءاً أخضر غير معلن لاستعراض قدراته ضمن “قواعد الاشتباك” التي التزمها حتى في أصعب الأوقات على الرغم من أن العدو خرقها مراراً. وعندما كرّر هوكشتاين في بيروت ما لوّحت به إسرائيل، من أن أي هدنة في غزّة لن تسري على لبنان، لم يغيّر “الحزب” تعامله مع الوساطات وما يُطرح فيها. فهو يأخذ علماً عبر نبيه برّي بما يحمله الفرنسيون لكنه لا يأخذ في الاعتبار إلا ما يطرحه الأميركيون، مقدّراً أنهم يصوغونه إمّا انسجاماً مع مصلحة إسرائيل أو مع رؤية “غربية” الى مصلحة لبنان، أما هو فيدرسه في ضوء مصلحة إيران ومشروعها. وبناء على ذلك، فإن طروح الوسطاء لا بدّ من أن تنال موافقة طهران أولاً. وأما مصلحة لبنان فتأتي عنده في مرتبة متدنية، وهذه المصلحة تقتصر في نظره على بقائه وبقاء سلاحه غير الشرعي وسيلةً للحكم والقيادة.

استطاع “الحزب”، إذاً، أن يرجئ التعامل مع الوساطات وربما أن يبقيها مطروحة الى ما بعد الحرب. وفي حساباته أن المواجهة في الجنوب لن تفضي الى حرب لا يريدها ولا يريدها الطرف الآخر (الأميركي- الإسرائيلي) الذي يتحسّب لترسانته ولا يعرف كل شيء عنها. في هذه الحال سيعتبر أنه حقق أهدافه وخرج “منتصراً”، ما يسمح له بأن يخوض المفاوضات بشروط أكثر تشدّداً، فليس وارداً لديه أن يقبل بمنطقة “عازلة” تمنعه من التصعيد حين تقتضيه الظروف الإيرانية، لا اللبنانية. وحتى لو كانت هناك إجراءات متوازية وملزمة لإسرائيل ولبنان، فإن “الحزب” يريد تطبيق القرار 1701 وفقاً لمصلحته الإيرانية لا اللبنانية، وقد أظهرت المواجهة الحالية أن إيران تعتمد على “الحزب” في جبهة مترابطة بين جنوب لبنان وجنوب سوريا.

أما إذا أدّت التطورات الى حرب واسعة ففي حسابات “الحزب” أنه سيتمكّن من الصمود فيها “وأكثر” لكن على أساس معادلة “دمار مقابل دمار”، من دون أن يكون لديه تقدير تقريبي للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للدمار الذي قد يتعرّض له لبنان، ولعل في تكتمه وتعتيمه على الخسائر الحاصلة في الجنوب حتى الآن نموذجاً لنمط تفكيره في سيناريو الحرب الموسّعة، إذ يعتبر أنه نجح في احتواء الأصوات المعارضة للحرب في الداخل اللبناني، ويعتقد أنه سيبقى في وضع يسمح له بترهيب هذه الأصوات إذا ما انزلق الوضع الى الأسوأ. لكن هل أن موقعه التفاوضي سيبقى على حاله بعد الحرب المحتملة؟ هو يعتقد أن لا شيء سيتغيّر طالما أنه خاض ويخوض منذ عَقدين حرباً ارهابية فعلية ضد خصومه في الداخل ولم يعد هناك منذ زمن من يمكن أن يتصدّى له إلا بالسياسة، وهذه مقدور عليها، بالإرهاب أيضاً. أما بالنسبة الى التفاوض فهناك دائماً ما تسمّى “الحكومة” مجازاً، وهي أداته/ دميته التي روّضها على سماع كلمته وعدم الخروج عن املاءاته.

بعد تجربة حرب 2006 كان متوقّعاً أن يعمد “الحزب” الى أقصى التحكّم بأي حكم أو حكومة، في انتظار الحرب التالية ومنع أي بحث في استراتيجية دفاعية لا يمكن أن تضفي شرعية على سلاحه أو تلزمه بأي قرار تعتمده الدولة، ما لم يكن قراره. وبعد مواجهة (قد تتحوّل الى حرب مدمّرة) بذريعة “التضامن مع غزّة” برهن للجميع أنه لن يتيح انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يلتزم سرّاً وعلناً بـ”حماية ظهر المقاومة” على الأقل أو يتعهد بـ “شرعنة” سلاحها غير الشرعي.

شارك المقال