الولايات المتحدة وعواقب التهديدات “الفارغة”

حسناء بو حرفوش

كتب الباحث جيفري فرانكل، الأستاذ بجامعة هارفارد وأحد مستشاري الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون للشؤون الإقتصادية، في تحليل بموقع (project-syndicate) الإلكتروني:

“منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بالغت الولايات المتحدة في الكثير من الأحيان في تصميمها على الدخول في اشتباكات عسكرية، من فيتنام وصولا إلى أفغانستان. وهذا ما ترتّبت عليه تكاليف باهظة، ليس فقط من ناحية الخسائر في الدم والتكاليف الباهظة، لكن أيضا من حيث مصداقية أميركا أمام العالم.

وفي الوقت الذي تحشد فيه روسيا قواتها على طول حدودها مع أوكرانيا، تتزايد المخاوف من حدوث غزو. وعلى الرغم من تحذير الولايات المتحدة من أن روسيا ستدفع الثمن باهظاً، سيترجم رد الفعل على الأرجح بالعقوبات الاقتصادية. ولن يرسل الرئيس جو بايدن عسكريين للدفاع عن أوكرانيا. وهذا هو النهج الصحيح، إذ قد يفلح التهديد بفرض عقوبات اقتصادية لناحية ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما من ناحية أخرى، لن يسهل تصديق أي تهديد بتدخل الولايات المتحدة وحلفائها على الأرض.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني مصداقية الغرب من التقويض بسبب الوعود الماضية وتحديدا تلك المتعلقة بالعضوية النهائية لأوكرانيا وجورجيا في الناتو. فعلى الرغم من تقديم الوعود لجورجيا، لم يكن أحد مستعدًا للدفاع عن البلاد عندما غزتها روسيا عام 2008، كما لم يهبّ أحد للدفاع عن أوكرانيا عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014. ولم يفعل الغرب أي شيء لمنع روسيا من احتلال منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا. وفي هذا السياق، قد يبدو الحديث عن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو مجرد استفزاز لبوتين.

وهذا ما يعكس مشكلة أوسع في السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي يمكن تلخيصها بالضعف لناحية التكافؤ بين التهديدات والقدرة على التنفيذ (…) ففي فيتنام وأفغانستان على سبيل المثال، فشلت أميركا في تحقيق أهدافها وقررت في النهاية الاكتفاء بتقليص الخسائر. كما أظهر الانهيار السريع للحكومات المدعومة من الولايات المتحدة في سايغون وكابول مدى ضآلة التقدم المحرز، ووجه ضربات شديدة لسمعة أميركا العالمية.

(…) وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة أن تضمن أن أي إعلان عن استعدادها لاستخدام القوة العسكرية يتوافق مع ما يمكن أن تقوم به بالفعل. وهذا يعني عدم الإكثار في المبالغة عن الالتزامات المعلنة. كما أن التقليل من شأن الولايات المتحدة يجب أن يفرض كأحد الأخطاء الإستراتيجية. في النهاية، يمكن أن يعتبر التهديد الموثوق به من قوة عسكرية مثل الولايات المتحدة بمثابة رادع قوي. لكن الولايات المتحدة فشلت في بعض الأحيان من الاستفادة من هذا الواقع كما حصل خلال غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية أو في لبنان أو عندما قرر الرئيس العراقي صدام حسين غزو الكويت عام 1990 (…) وبعد ثلاثة أيام من الغزو، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش، أن الوضع لن يستمر على حاله. ثم في كانون الثاني 1991، وفت الولايات المتحدة أخيرا بالتعهد الذي قامت به، بعد سلسلة من المفاوضات الفاشلة مع العراق، حين قادت تحالفا يضم 35 دولة في هجوم عسكري واسع النطاق دفع قوات صدام للخروج من الكويت في غضون أسابيع. لكن ربما لو تم التعبير عن تحذيرات مسبقة، لما أرسل صدام قواته في المقام الأول.

وسُجل تدخل أميركي ناجح ومتسم بالتكافؤ بين القول والفعل عام 1999. حين حذر الرئيس السابق بيل كلينتون زعيم يوغوسلافيا، سلوبودان ميلوسيفيتش، حول سحب قوات الأمن الصربية من كوسوفو. وعندما رفض ذلك، شن الناتو حملة قصف. ووافقت القوات الصربية على الانسحاب، وأجبر الشعب الصربي ميلوسيفيتش على ترك منصبه في العام الذي تلا ذلك. وخلال الحرب الباردة، ارتأى الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون أن يُنظر إليه كزعيم غير عقلاني ومتقلب، في محاولة لردع الاستفزازات. لكن لنظرية “الرجل المجنون” حدود صارمة، خصوصا بالنسبة لدولة مهيمنة وبالنسبة لحلفائها. ومن المرجح أن يؤدي ضمان الاتساق بين الرسائل والإجراءات إلى ردع الصراع، أقله من خلال تعزيز المصداقية على المدى الطويل”.

شارك المقال