بين قسَم جبران والقانون الأرثوذكسي

عالية منصور

مرت قبل ايام ذكرى استشهاد جبران تويني، 16 عاما مرت على تلك اللحظة التي استيقظنا فيها على الخبر الفاجعة، لكن منذ لحظة محاولة اغتيال مروان حمادة في تشرين الاول 2004 واغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، تكررت تلك المأساة ومن هولها كان القاتل معروفا بالاسم ولكن كان السوال الدائم على لسان اللبنانيين من التالي؟

عشرات الاغتيالات والتفجيرات التي ضربت لبنان لكن بقي معظم اللبنانيين حينها موحدين يردّدون قسم جبران الذي اطلقه في ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار 2005، “نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين ان نبقى موحدين دفاعا عن لبنان العظيم”. كان يوم الرابع عشر من آذار اشبه بالحلم، عشرات الآلاف اتوا من جميع المناطق اللبنانية موحدين تحت العلم اللبناني، مطالبين بالحقيقة والعدالة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبخروج جيش النظام السوري من لبنان.

وعلى الرغم من الاغتيالات والتفجيرات التي طالت صحافيين وسياسيين لبنانيين بعد ذلك اليوم، الا ان الخطاب السياسي وحتى الانقسام الذي كان حاصلا بالبلد كان على اساس مشروعين، مشروع 14 آذار المنادي بالسيادة والاستقلال والذي ضم لبنانيين من جميع الطوائف بمن فيهم الطائفة الشيعية، ومشروع 8 آذار الممانع والموالي لنظام الاسد والذي قاده حزب الله بخطابه الطائفي والميليشياوي، وحتى بعد التحاق ميشال عون وتياره بمحور الثامن من آذار واتفاق مار مخايل بقي الانقسام في البلد على اساس مشروعين سياسيين.

ارتكبت قوى الرابع عشر من آذار اخطاء قاتلة بحق جمهورها وبحق لبنان، ربحت الانتخابات النيابية مرتين لكن بسبب سوء ادائها، وبسبب تسويات اقليمية ودولية، اضافة الى سلاح حزب الله ودخوله المباشر في الحسم السياسي في لبنان، لكن بقي قسم جبران يرسم ملامح التوجه السياسي لقوى الرابع عشر من آذار.

بدهاء وخبث، نجح النظام السوري ومعه حزب الله في توجيه ضربة قاتلة لروح انتفاضة 14 آذار ولذلك اليوم الذي توحّد به اغلب اللبنانيين تحت راية لبنان وشعار لبنان اولا.

زيارات الى دمشق جاء بعدها النائب السابق حينها ايلي الفرزلي محمّلا باقتراح قانون انتخابي سمي “القانون الارثوذكسي”، وبعد ان كان الهمس قد بدأ يعلو بخطابات طائفية من قبل احزاب اقسمت يوما قسم جبران، فتحول الحديث من المطالبة بالسيادة وحكم القانون الى حقوق الطوائف، وبدلا من الحديث عن لبنان اولا صار البعض يتحدث عن حيه وشارعه.

سار البعض بالارثوذكسي “تكتيكا” خوفا من مزايدات اطراف منافسة في الطرف المقابل اي قوى الثامن من آذار، غابت حقوق اللبنانيين عن خطابهم وحلت محلها حقوق الطوائف “المتعايشة”.

في الدوحة وبعد اجتياح حزب الله لبيروت، حاول التيار الوطني الحر ان يقول “انا هنا لاسترجع حقوق المسيحيين”، لحقه آخرون من دون ان يسألوا يومها من انتهك حقوق المسيحيين اساسا؟ وهل يمكن ان تكفل حقوق الطوائف ان كانت سيادة الوطن والمواطن اساسا تنتهك يوميا؟

اليوم لم يعد الحديث عن مخاوف من انهيار لبنان، فلبنان الذي نعرفه انهار وما بقي منه ينهار تباعا، يعيش المواطن اللبناني اسوأ الظروف، مهددا بخسارة كل شيء، فبعدما خسر امواله في المصارف، ها هي المستشفيات والجامعات والمدارس كلها مهددة بعدم القدرة على الاستمرار.

ومع ذلك وبدلا من ان يتوحد اللبنانيون اليوم اكثر من اي وقت مضى من اجل حقوق الانسان اللبناني، ها هو الخطاب الطائفي هو الغالب، وبدلا من ان تتوحد الجهود قبل الانتخابات، ان حصلت، من اجل استعادة سيادة لبنان ودوره وعلاقاته بعد ان تسبب حزب الله بشكل اساسي في تشويهها، وبعد كل ما نتج عن ادوار حزب الله في المنطقة، بعد كل ذلك لا يزال البعض لا يرى ابعد من مقعد انتخابي هنا وآخر هناك تحت مسمى “حقوق الطائفة”، فكيف لهذه الطائفة او تلك ان تضمن حقوق ابنائها ان استمر الانهيار في لبنان بهذه الوتيرة؟ وكيف لمن لا يفهم الا بلغة الطوائف والمتاريس ان يتباكى على جبران ويتذكر قسمه مرة كل عام؟

شارك المقال