ميلاد لبنان… أمنيات بولادة سياسية محجوبة ومطلوبة

هيام طوق
هيام طوق

2021 سنة مرت على ميلاد السيد المسيح الذي أرسى قيم السلام والمحبّة والرجاء والتواضع، ولا يزال لبنان ينتظر الولادة التي طال انتظارها، ليبقى في مرحلة المخاض العسير يتخبط بظلمات الحروب والعنف والاستبداد والاستكبار، بظلمات الأنانية والكيدية والشر والحقد والكذب والكراهية، بظلمات الصفقات والفساد والسمسرات والسرقات والرشوات، بظلمات الفقر والمرض والتهجير والتنكيل.

بعد أكثر من ألفي سنة، وما زال الحلم بالسلام والتصالح والمحبة وازالة الحواجز بين الناس يبدو بعيد المنال إلا ان الرجاء يبقى السلاح الأقوى بأيدي الناس بأن تضيء نجمة بيت لحم طريق المسؤولين المظلمة والظالمة بحق شعبهم وبلدهم، وأن تكون ولادة “ملك السلام” فرصة حقيقية لتنيرعقولهم وتزرع الأمل والشجاعة في نفوسهم وتنقي قلوبهم من البغض والحقد والضغينة.

عيد الميلاد الذي يحتفل به العالم أجمع بفرح كبير، يعيشه اللبنانيون في كل عام بغصة في القلب ودمعة في العين لألف سبب وسبب. وفيما يعايد الناس في الدول التي تنعم بالاستقرار بعضهم بعبارات الفرح والأمنيات السعيدة، يجد اللبنانيون أنفسهم مكبلين أو مجبرين على تكرار الدعاء بأن يكون الآتي أفضل، وأن يكون معنى العيد الداعي إلى العطاء والمشاركة دعوة الى التنازل عن الحواجز بين المسؤولين وبينهم وبين الناس الذين أخذوهم الى عالم بعيد كل البعد عن أجواء العيد ومعانيه المتجسدة بالسلام الحقيقي وبالمسرة للناس أجمعين.

وفي وقت يأتي العيد هذا العام الأكثر حزنا وكآبة، ويكاد يشعر به الأطفال أصحاب العيد الذين يعجز أهلهم عن شراء ثياب جديدة لهم أو حتى لعبة صغيرة لأنه بكل بساطة “العين بصيرة واليد قصيرة”، وبالكاد ستتمكن العائلات من تحضير مائدة العيد المختصرة والتي تطلبت كل أنواع الحسابات لتأتي متلائمة مع الموجود في الجيب، تبقى الأسئلة المشروعة: ما الذي حال دون ولادة حقيقية وطبيعية للبنان المعذب منذ سنوات طويلة؟ وما هو المطلوب ليحل السلام على بلد الأرز عله يعرف طعم الطمأنينة يوما، وتتجسد فيه ولادة المسيح القائمة على الفرح والرجاء والعطاء والخلاص، فتزاح الظلمة ليحل محلها النور والأمل؟ وهل مكتوب على الشعب اللبناني أن يبقى حلمه بالسلام بعيد المنال؟ 

ولادة لبنان على يد قادة مخلصين يلتزمون محبة وطنهم

اعتبر القاضي الشيخ خلدون عريمط انه “من المؤلم ان لبنان الوطن والانسان منذ ولادته ما زال يعاني من أمراض متعددة، وفي مقدمها الثقافة الطائفية والمذهبية وحتى المناطقية التي هي داء حال دون ولادة لبنان كدولة حقيقية وقيامة لبنان وطن الانسان والابداع. نحن بحاجة مع ذكرى ولادة السيد المسيح ان نخرج جميعا من الثقافة المذهبية والطائفية التي هي علّة العلل، وان ندخل جميعا في ثقافة المواطنة لأنها هي السبيل الاساسي لولادة هذا الوطن الحقيقية الذي ارتضيناه جميعا، مسلمين ومسيحيين، ان يكون رسالة العرب الى العالم ورسالة العالم الى بلاد العرب. لبنان الدور والرسالة يحتاجه المجتمع العربي والدولي، ومن هنا ننظر الى الاحتضان الدولي لوطننا وآخر مؤشرات هذا الاحتضان زيارة الامين العام للامم المتحدة الذي نصح الطبقة السياسية بأن تعود الى عقولها وأفكارها والخروج من عقلية السمسار وعقلية الاستفادة وكأن لبنان في نظرهم عبارة عن فندق لا أكثر ولا أقل”.

وتابع: “لقاء الامين العام للامم المتحدة مع المرجعيات الدينية الاسلامية والمسيحية يؤكد أن الاديان هي بخدمة الانسان والحفاظ على كرامته، وساسة لبنان بعيدون تماما عن المحبة التي تدعو اليها المسيحية والرحمة التي يدعو اليها الاسلام، ومن يتولى أمور لبنان بعيد عن كل معاني المحبة والرحمة”.

ورأى انه “ليقوم لبنان مجددا ويعود لدوره لا بد من قادة مخلصين يلتزمون قولا وفعلا بالمحبة لوطنهم والرحمة لشعبه. لبنان الوطن حاجة لشعبه ولعمقه العربي. نحن بحاجة في ذكرى ولادة المسيح الى اعادة تأهيل لكل من يتولى الشأن العام كبيرا كان أو صغيرا. لبنان الطائفة والمذهب والمزرعة مصيره الخراب. ولبنان وطن الانسان والايمان والمحبة والرحمة هي مؤشرات لقيامة لبنان من بين الانقاض”.

وأكد انه “لا يمكن لهذه الطبقة التي أوصلت لبنان الى ما هو عليه ان تعود لتساهم في بنائه لأن كل فئة من الفئات المهيمنة على البلد تريده على مقاس مصالحها. يستخدمون الطائفة والمذهب لتحقيق مصالحهم، فهم عبء على الطوائف والمذاهب، مشيرا الى ان الاديان نعمة على البشر والطائفية والمذهبية هي مؤشرات الهلاك. ومن المؤسف ان أكثرية من بيده الحكم وخاصة في هذا العهد المشؤوم يستخدم كل أمراض المذهبية والطائفية لمنع قيامة لبنان. والأمل كبير في ذكرى الميلاد ان يتخلص لبنان من الموبقات والترهات التي يستخدمها بعض من بيده الحكم”.

وأضاف: “في ذكرى الميلاد، لبنان مختطف من التحالف الجهنمي بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والاختطاف لا للبناء انما للمساومة عليه في المحاور الاقليمية والدولية. لبنان بحاجة الى قيامة من بين الانقاض وهذا النهوض لا يمكن ان يكون الا بوحدة اللبنانيين وتعاونهم وتكاملهم وتلاقيهم مع أشقائهم العرب ومع المجتمع الدولي الذي يحب لبنان أكثر من بعض حكامه”.

وختم عريمط: “ذكرى ولادة المسيح التي تجسد رسالة السلام والمحبة بين الناس وحتى بين الخصوم، هي ذكرى مجيدة تدعونا لأن نستلهم منها رسالة السيد المسيح بأن يعم السلام في لبنان وفي الشرق الجريح. أملنا بالله كبير بأن السلام سيعود الى الوطن والى المنطقة العربية لأن هذه الارض مباركة. ذكرى ولادة المسيح تدفعنا الى ان نفكر جديا بأننا في الوطن والمنطقة رسل ايمان وسلام ومحبة، والمهم ان يتّعظ حكامنا وان يعلموا ان الفساد والافساد والانانية والعنصرية لا يمكن ان تبني وطنا او ان تكون مؤهلة لخلافة المسيح أو وارثة لدعوة الرسول محمد”. 

الولادة الحقيقية للبنان تتطلب قرارا سياسيا

وتحدث الأب يوسف مونس عن معاني الميلاد “اذ هناك المعنى اللاهوتي أي تجسد يسوع المسيح لخلاص البشرية. المعنى الروحي حين أعطانا الحياة والخلاص والنعمة. واليوم للميلاد معنى اقتصادي في لبنان حيث ان فرح الاطفال والهدايا والثياب والزينة والموائد، لكن كل تلك المعاني لا تجسد المعنى الحقيقي للميلاد الذي هو المعنى اللاهوتي”.

واعتبر ان “الولادة الحقيقية للبنان تتطلب قرارا سياسيا، وهذا القرار غير موجود على الرغم من ان الولادة الروحية موجودة حيث التجدد في القلوب والكنائس والرعايا، مشددا على ان من يفتش عن الدواء وعن الاكل هو مجروح ولا يعيش الميلاد. في الميلاد لا يجوز ان يكون هناك جائع أو مريض بلا دواء أو فقير بلا مسكن وبلا حياة كريمة”.

وشدد مونس على ان “جرحنا كبير في هذه الايام الصعبة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن عليهم اتخاذ القرار لا يتخذونه، وكأننا نعيش في زمن لا قرار بأي شيء. وعدم القرار وعدم الالتزام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والصحية والانسانية والمعيشية أوصلنا الى هذه الاوضاع الضاغطة”.

وأشار الى انه “علينا تغيير الطبقة السياسية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه. وهنا القرار بأيدي الناس بأن يغيروا واقعهم في الانتخابات المقبلة. زمن التغيير آت، وعلى الناس اختيار الأشخاص الذين يعملون لمصلحة لبنان ليعود الى سابق عهده”.

ورأى مونس ان “المطلوب اليوم ان تتجدد الطبقة السياسية، وعدم السماح للتدخلات الخارجية بالتأثير في القرار الداخلي الذي سيبقى بين أيدينا ولا يمكن لأحد ان ينتزعه منا، لافتا الى ان جو الميلاد هو جو الخلاص والفرح والهللويا. جو المصالحة والنعمة والسعادة”.

شارك المقال