لبنان رهن الصراع الإقليمي… والتغيير حتمي

هيام طوق
هيام طوق

على وقع الخطابات السياسية “العالية” السقف، ودّع اللبنانيون سنة 2021 التي كانت مطعمة بأبشع أنواع الأزمات وأكثرها مرارة، وعلى الوتيرة عينها من الخطابات الطائفية والتحريضية، استقبلوا سنة 2022 التي على ما يبدو ستمعن أكثر فأكثر في النيل من كرامة الناس، وستحفر بتعقيداتها المتنوعة بشكل أعمق وأعمق في النفوس خصوصا ان معظم المراقبين والعارفين يتقاطعون عند رأي واحد: تداعيات السنة المنصرمة ستكون أشد وطأة وأكثر فتكا بالبلاد والعباد طالما ان لا قرار بالعلاج الجدي حتى الآن، وأكثر من ذلك، هناك الكثير من الأزمات والمشاكل حاولت السلطة ابقاءها مستترة، وهي بمثابة الجمر تحت الرماد قابلة للاشتعال في أي لحظة.

وعلى ذمة الاختصاصيين لن يكون فيروس كورونا بمختلف متحوراته أكثر خطورة على حياة الناس من “فيروس” الطبقة السياسية الحاكمة الذي سبق “كورونا” بأشواط بمتحوراته المتلاحقة والقاتلة والخانقة من دون المحاولة حتى لايجاد قارورة “أوكسيجين إصلاحية” لضخ الروح في “أشلاء” الدولة المنهارة أو القيام بإسعافات أولية في إنعاش القلوب لتعود الحياة وتتدفق في عروق شعب يتأرجح على حبل رفيع بين الحياة والموت.

على الرغم من التمنيات غير الموعودة، كل المؤشرات تقول أن سنة 2022 تحمل في طياتها الكثير من الأزمات والاستحقاقات الكبرى، وربما قساوة تداعيات 2021 على 2022 ستُنسي اللبنانيين هذه السنة “الكابوس” لأنه كما يقال الرسائل تقرأ من العناوين. وسنة 2022 استحقت من قبل استقبالها ان تحمل عنوان “الآتي أعظم” على الصعد كافة لان الأزمة الاقتصادية لم تعرف سوى الحلول الترقيعية، والأزمة المعيشية نحو الاشتداد أكثر وأكثر لأن البطالة والفقر في تزايد مخيف وفق تقارير دولية في ظل التخوف من تحليق سعر صرف الدولار مقابل الليرة وما يرافق تلك الأزمة الاجتماعية من حوادث أمنية وجرائم وأعمال عنف، فحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي، تم تسجيل 4804 جرائم سرقة موصوفة حتى شهر تشرين الاول من العام 2021 أي بزيادة 134 في المئة عن السنة الماضية (2019) وصولا الى عقدة العقد الأزمة السياسية التي ترخي بظلالها على القطاعات كافة، وعلى الحياة بكل تفاصيلها والتي ستشهد وفق الخبراء والمحللين المزيد من التنافر والاشتباك السياسي والخطابات الحادة ذات الطابع الطائفي والمذهبي الشعبوي عشية الانتخابات النيابية والاستحقاق الرئاسي حتى ذهب البعض في تشاؤمه الى القول ان سنة 2022 ستكرس انهيار لبنان الكلي وان اللبنانيين أمام خيارين أحلاهما مر: اما نشوب حرب لا نعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف ومتى تنتهي، واما الارتطام الكامل والذي سيقضي بدوره على الأخضر واليابس.

فايد: التهدئة أو التصعيد رهن الصراع الإقليمي

اعتبر الكاتب السياسي والصحافي راشد فايد انه “من التسرع أن نلجأ الى الجو التشاؤمي المطلق، وتاريخيا لم تكن معطيات اليوم تؤدي غدا الى ما نتكهنه في ظل الظروف الراهنة. نحن لسنا وحدنا في هذا العالم، والوقائع التي نعيشها هي ارتدادات لوقائع اقليمية واصطفاف سياسي محموم في المنطقة، وبالتالي لسنا الطرف الفاعل في تطورات المنطقة بل نحن نتلقى النتائج”.

وأشار الى “اننا نستعجل كثيرا النتائج السلبية للوضع الراهن بينما علمتنا التجارب انه من الممكن ان نكون في أوج الأزمة وفجأة يطرح حلّ ما لأن التهدئة في لبنان أو التصعيد ليسا رهن ارادة اللبنانيين انما رهن الصراع الاقليمي القائم، لافتا الى ان مفاوضات فيينا اذا اتجهت الى حل ايجابي وبالتراضي بين الفرقاء المعنيين يكون وضعنا مختلفا اما اذا تصاعد الخلاف والصدام بين القوى المعنية فسنكون حلبة لصراع الأقوياء، وبالتالي، كل ما يكتب هو تكهنات مسندة الى وقائع ظرفية متقلبة إلى أن تثبت باتفاق الأطراف. التكهن سهل وتحقيق التكهن صعب اذ ان أي معطى يمكن أن يغير كل الاتجاهات خلال 24 ساعة. على سبيل المثال لا الحصر، على صعيد التحالفات الانتخابية، من أسبوعين كان الكلام عن ان الرئيس سعد الحريري لن يشارك ولن يأتي الى البلد. اليوم كل الكلام عن ان الرئيس الحريري سيأتي وسيشارك في الاستحقاق الانتخابي. من يملك القرار؟ الرئيس الحريري وليس المحللين. كل التوقعات يمكن في أي لحظة ان تنقلب رأسا على عقب. وأذكر أن نادرين من تكهنوا بأن اتفاق الطائف ولد تحضيرا لمؤتمر مدريد للسلام بعد سنتين وعُلقت آمال كبيرة على نجاحه لكنه لم يولد، وسقطت الرهانات على السلم في المنطقة”.

وأضاف: “لم نكن نتوقع حدة الازمات التي نعيشها لكن الشعب يتصرف كأن لا وجود للازمات ولديه كل التفاؤل بأن الامور لا بد من وصولها إلى الحلحلة، وان الازمات لن تستمر الى الابد. كل ذلك تمنيات لأننا محتاجون للامل والتفاؤل ولسنا في حاجة الى المزيد من السواد في حياتنا اليومية. لذلك، نرى تنافسا بين المواقع الاخبارية على توقع الأسوأ مع العلم ان لبنان لم يصل في أي أزمة من أزماته الى قعر المأساة، داعيا الى ان نكون متفائلين قليلا، اذ لا يجوز ان نبقى متشائمين لأن التشاؤم لا يحل المشكلة خصوصا ان الحل ليس بأيدينا بل بأيدي الطاقم السياسي الذي لم يتخذ أي مبادرة جدية لانقاذ البلد… تحت سقف الصراع الدولي”.

ورأى فايد انه “حتى الآن هناك مجال للتشكيك بإجراء الانتخابات لأننا في دولة لا تطبق قوانينها، مؤكدا ان الرئيس الحريري لا يتواصل مع أحد لابلاغه عن موعد قدومه الى لبنان. أولا، للاسباب الامنية. وثانيا، لأنه لا يعتبر نفسه عائدا بدور الفاتح للبلد انما يعود الى مكانه الطبيعي”.

الأمين: لبنان في مأزق والتغيير حتمي

لفت ناشر موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين ان “لبنان، انطلاقا من الواقع السياسي القائم، هو أمام مأزق حقيقي على مستوى امكانية الخروج من الازمة والتي تبدو مع الاسف متجهة الى المزيد من التعقيدات على الرغم من كل الآمال والطموحات اذ ان الشعب يحاول التقاط أي بصيص ضوء. نحن أمام مشهد واضح على المستوى الاقتصادي والمالي اضافة الى المستوى السياسي الذي يشهد المزيد من التأزم والمزيد من التدهور. هذا لن يكون دون تداعيات أو دون نتائج إذ سنشهد مسارات فوضى لن تصل الى مستوى حرب أهلية بالمعنى الذي نعرفه انما سنرى المزيد من مظاهر الفوضى بسبب الاحتقان، كما سنرى مزيدا من التعامل الدولي البارد تجاه لبنان طالما لا وجود لأي خطوة داخلية تشجع على استجلاب المساعدات. إضافة الى المزيد من ادارة الظهر الخليجي والعربي للبنان، والمزيد من تمسك صندوق النقد بشروطه للقيام بخطوات اصلاحية”.

وتابع: “نحن أمام صورة تشاؤمية وغير وردية للايام المقبلة، وهذا يؤكد ان الوضعية القائمة في لبنان على المستوى السياسي لا تحمل أي أفق ايجابي، وبالتالي تغيير هذه الوضعية أصبح أمرا ضروريا. هناك من يتحدث عن الانتخابات النيابية. هل يمكن ان تكون بوابة للتغيير؟ الى حد ما ستفرض حدودا من التغيير اذا حصلت، لكن هل سيكون كافيا لشق طريق مختلف عما هو قائم؟ هناك أزمات حقيقية لا يمكن أن تحلها الانتخابات اذ لم يعد من الممكن الاستمرار بالصيغة القائمة اليوم أي ثنائية الدولة والدويلة، واذا لم تُحسم هذه المسألة، فإلى المزيد من التدهور”.

وأضاف: “اذا لم يحصل تغيير حقيقي في ادارة شؤون البلاد، وتغيير حقيقي بالوجوه والاشخاص والقوى، لا نتوقع ان يحصل التغيير في الاوضاع الحالية. الامور على حافة التغيير اما ان يحصل تغيير يفتح أفقا للحل أو لا يحصل التغيير ونكون ذاهبون الى المزيد من التدهور الذي لا نعرف الى اين يأخذ البلد حيث ان البعض يعتبر اننا أمام أزمة وجودية للبنان في حال استمر الوضع على ما هو عليه”.

ورأى ان “الخيارات صعبة، واللبنانيون معنيون بالقيام بشيء ما لمواجهة الأزمة القائمة. قدر اللبنانيين ابتداع الحلول، وأنا أرى على الرغم من كل السوداوية هناك ارادة لبنانية تتجه نحو ايجاد الحلول واستمرار البلد والدولة، ولا بد من التطورات الداخلية ان تدفع باتجاه بلورة قوى وجهات وتصورات ومشاريع على الاقل تلجم الانهيار الحاصل، وهذا بالضرورة يتطلب وجود قوى جدية وحقيقية وجادة لاحداث هذا التغيير والانتقال الى مرحلة جديدة. كلما ذهبنا نحو انسداد الآفاق في الوضع القائم، يفرض بروز خيارات جديدة سيكون لها حجم من التأييد والتفاعل على المستوى اللبناني. بالمعنى التكتيكي، لا نرى تغييرات حقيقية، لكن بالمعنى التاريخي نرى انه على الرغم من كل انسداد الآفاق، اللبناني لدية قدرة على ابتداع الحلول”.

وأكد الأمين ان “التأثير الخارجي أساسي، لكن الاهم كيف نتفاعل معه داخليا؟ وكيف تتبلور الدائرة الداخلية التي يمكن ان تتفاعل مع التأثيرات الخارجية، مشيرا الى انه على الرغم من كل الصعاب هناك بذور تغيير حقيقي فرضت حضورها اذ لا امكانية لاستمرار السلطة التي تدير البلد اليوم. التغيير أصبح حتميا ولو ان معالمه لم تتضح بعد”.

شارك المقال