تعتبر عشيرة بني معروف من أبرز العشائر العربية التي تصون تماسكها وتحرص على إبقاء التواصل الفعلي التفاعلي بين أبنائها على الرغم من إنتشارهم في دول مختلفة. في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن يعيش الدروز وتنشط الزيارات فيما بينهم على المستويات الدينية والاجتماعية والسياسية. وتبقى قنوات الاتصال مفتوحة في كل الظروف مع ثابتة سياسية واحدة مشتركة بين عقلاء هذه الطائفة وهي: حماية النسيج الوطني ورفض التقسيم. قناعةٌ وطنية تستلهمها هذه الطائفة من التاريخ إذ أن محطات عدة من تاريخ هذا الشرق منحت الطائفة التوحيدية لقب العشيرة الأبرز في النضال دفاعا عن الثُغور العربية ووحدة وتماسك أوطانها.
وتحت سقف القاعدة السياسية المشتركة، تشهد الطائفة الدرزية ولا سيما في لبنان وسوريا حركة تنقل نشطة بين المدن والقرى الدرزية للبلدين. وما بين عامي 1932 و1975 هاجر عدد لا يستهان به من أبناء الطائفة الدرزية من لبنان الى سوريا حيث إستقروا في مدن وقرى درزية سورية عدّة في جرمانا وصحنايا والسويداء وغيرها. هؤلاء اللبنانيون الذين هاجروا في هذه الفترة ولا سيما في خمسينيات القرن المنصرم تميزوا عن غيرهم من الذين هاجروا إبَّان الحرب الأهلية اللبنانية من الداخل اللبناني الى سوريا لأن قسما كبيرا منهم لم يعد الى لبنان بل إستقرَّ في سوريا حيث بنى بيوتا وأسس عائلات تحمل الجنسية اللبنانية الى اليوم، وبعض أفرادها لم يزر لبنان منذ ولادته. مع العلم أن عددا قليلا منهم تجنّس إبّان الثورة السورية بتوصية من مشايخ الطائفة.
مصادر مطلعة على واقع اللبنانيين الدروز في سوريا تقول لـ”لبنان الكبير” أن عدد الناخبين منهم يتخطى الـ1000، وهم ينتمون الى عدة قرى في عاليه والشوف وحاصبيا والبقاع الغربي ولهم إنتماءات سياسية متنوعة، ومعظمهم شارك في السابق في الانتخابات النيابية اللبنانية. قبل جلاء الجيش السوري من لبنان، كانت تُوزَّع اللوائح التي يريد النظام السوري دعمها على الناخبين على حاجز المديرج – ضهر البيدر الذي تجتازه الحافلات التي تقلّهم الى صناديق الاقتراع. وثمة من يوثّق هذه المشهدية في إنتخابات عام 2000. أما عام 2018، فتكفل وئام وهاب بنقل الدروز الى قرى الجبل لانتخابه. واليوم، تحضيرا لانتخابات 2022، تنشط الإجتماعات واللقاءات في دارة السفير السوري في لبنان عبد الكريم علي ويحضرها كل من طلال ارسلان ووئام وهاب وفيصل الداوود وممثلون عن الحراك المدني المقاوم حيث يتعهد السفير السوري دعم القوى الدرزية الممانعة عبر جملة من التقديمات والتسهيلات أبرزها ضمان إنتقال الناخبين الدروز من سوريا الى لبنان في يوم الانتخاب بهدف إيصال كتلة درزية ممانعة تقف بوجه وليد جنبلاط.
مصادر مطلعة على حركة الممانعة الدرزية تقول لـ”لبنان الكبير” أن النظام السوري وأدواته في الجبل يصبّون تركيزهم على الإتيان بأكبر عدد ممكن من أبناء قرى عاليه والشوف المقيمين في سوريا والداعمين لهم لكسر زخم الأصوات الدرزية التي يمتلكها وليد جنبلاط في هذه الدائرة الانتخابية.
وفي وقت تقول فيه مصادر مقربة من وليد جنبلاط أن الحزب الاشتراكي يدرك خطط الممانعة الدرزية في الشوف وعاليه وتحركاتها النشطة على خط بيروت دمشق لحثّ الشخصيات الدينية المعروفة بولائها لبشار الاسد على تشجيع الناخبين للقدوم الى لبنان في 15 أيار والتصويت للممانعة الدرزية، تقول مصادر متابعة للملف السوري الدرزي لـ”لبنان الكبير” أن تغيّر مزاج دروز سوريا اليوم تجاه نظام بشار الأسد سينتج تغيرا في خيارات الناخبين.
وفي التفاصيل، يعبّر أهالي السويداء عن غضبهم جرّاء تعيين بشار الأسد لقريبه نمير مخلوف محافظا للمدينة لأن مخلوف الذي استحق لقب “الشبيح برتبة محافظ” توعد منذ توليه مهامه تأديب السويداء التي علت فيها أصوات المنتفضين على الواقع المعيشي والاجندة الأسدية عبر رفض الخدمة الإلزامية في الجيش السوري. وفي هذا السياق، تشهد السويداء اليوم توترات امنية كانت أبرزها الاشتباكات التي دارت في كانون الاول 2021 في شهبا بين مسلحين من المدنيين وقوات الامن التابعة للنظام. وحسب ناشطين من السويداء “إن التوترات الامنية اليوم تأتي نتيجة رغبة النظام بتغيير سياسة تعاطيه مع مدينة السويداء لتصبح أكثر صرامة وحزما”. وهذا ما يفسر تعيين بشار الاسد قريبه مخلوف محافظا للمدينة.
وفي هذا الإطار، برزت سلسلة تصريحات للرئاسة الروحية الممثلة بالشيخ حكمت الهجري والتي خاطب فيها أبناء الطائفة الدرزية قائلا أن بعض الجهات تحاول “إعادة زرع الارهاب داخلكم، وحرمتكم لذة العيش بمقدرات وخيرات الوطن”. ويدين الشيخ الهجري في تصريحاته سياسة النظام الذي إتهمه بأخذ “قرارات حكومية لم تكن في موقعها، ولم تناصر تضحيات أبناء السويداء، ولم تؤد الواجب في حمايتهم وإعانتهم”. كما حمَّلت التصريحات الحكومة السورية مسؤولية “إذلال الناس وتحطيمهم وتركهم في العراء من دون حماية”. وتضمنت رسائل شديدة الأهمية أكد فيها الشيخ الهجري رفض محاولات التقسيم “فلا سياسة مع الجيران، ولا توجهات ووجهات وتوجيهات لمجتمع متمسك بأصالة عشائرية متعارفة على المحبة والتعاون”.
وعلى هذا الخط، برزت تغريدة وليد جنبلاط تعليقا على تصريحات الشيخ الهجري، إذ “أثنى وليد جنبلاط على مواقفه في نبذ التفرقة والفتنة بين أبناء الشعب الواحد”.
وسط هذا الواقع هل سيبقى النظام السوري قادرا على مغازلة الممانعة الدرزية في الداخل اللبناني بأصوات تأتي من الداخل السوري؟