بين الراعي والرعية… قادة عصيان وحوار طرشان

هيام طوق
هيام طوق

لطالما نادت بكركي بالوحدة الوطنية التي تعتبر سياج الوطن، وبضرورة انتظام عمل المؤسسات الدستورية وعدم تكبيلها وتعطيلها، واحترام الاستحقاقات الانتخابية واجرائها في مواعيدها حفاظا على مصالح البلاد والعباد.

وطالب المطارنة الموارنة في اجتماعهم الأخير “بإدراج السلطتَين الإشتراعية والإجرائية المُوجِبات الوطنية الراهنة المُلِحّة تبعًا لسُلَّمِ أولويات، أوّلها إعداد الأجواء الملائمة لإجراء الإنتخابات النيابيّة ومن بعدها الرئاسيّة، بجديّة وروح ديموقراطيّة”.

وفي وقت يتم التخوف فيه من تطيير الانتخابات النيابية بذرائع متعددة لصالح أطراف سياسية، واختراع الفذلكات الدستورية لإبقاء الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، بدأت تتظهّر “ضراوة” المعارك الانتخابية خصوصا في المناطق المسيحية التي ستشهد في مختلف الدوائر، حسب الخبراء، احتداما وسخونة حيث المنافسة على أشدها بين أحزاب وتيارات وزعامات وشخصيات كبرى مما أدى وسيؤدي الى رفع سقف الخطابات وتبادل الاتهامات بين الأطراف خصوصا بين ” التيار الوطني الحر” و” القوات اللبنانية”، الأقوى على الساحة المسيحية حتى ان البعض لا يتردد في البوح من التخوف من أي انزلاق ما في ظل تزايد المواقف التجييشية والتصريحات الشعبوية على أبواب الانتخابات النيابية لأن المسألة أصبحت وجودية ومصيرية.

وفي هذا الاطار، يُسجل تململ في الشارع المسيحي من الهوة التي تتسع يوما بعد يوم بين القادة المسيحيين الذين وفق مصادر كنسية لا يجوز أن يتحول اختلافهم في الآراء حول مقاربة المواضيع الى خلاف، وأن يرتقي الى هذا الحد من التشنج خصوصا ان الناس “قرفوا” من سماع المناكفات، وهم في مكان آخر، يبحثون عن لقمة العيش وتأمين الدواء. وأكدت المصادر ان أبواب البطريركية مفتوحة دائما أمام القادة للحوار.

وسط هذا التشرذم على الساحة السياسية خصوصا المسيحية منها، لا بد من التساؤل عما إذا كان طلب المطارنة الموجه الى السلطتين الاشتراعية والاجرائية بإعداد الأجواء الملائمة لاجراء الانتخابات النيابية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية بروح ديموقراطية، سيلقى آذانا صاغية من القادة المسيحيين انطلاقا من ان “الأقربون أولى بالمعروف”، واستنادا الى الوقائع التي تشير الى ان فريقا مسيحيا يقوم بكل ما بوسعه لتطيير الانتخابات النيابية، وعرقلة الانتخابات الرئاسية، وبالتالي، ربما تصبح روح الديموقراطية في مهب رياح المصالح الانتخابية، وتتحول الأجواء الملائمة والهادئة الى أجواء عاصفة وصاخبة.

ومن أجل الحفاظ على حد أدنى من اللياقة الخطابية على الرغم من الاختلاف في المواقف السياسية، طُرحت مبادرة في تشرين الأول الماضي لجمع شمل القادة المسيحيين تحت سقف بكركي خصوصا ان العلاقة بينهم وصلت الى حد القطيعة، وتخطت خلافاتهم السياسية الخطوط الحمر في التعاطي، ووصلت الى حد الشتيمة بعيدا عن أي تواصل أو حوار او لقاء او حتى اتصال هاتفي. لكن، على ما يبدو فإن المبادرة ماتت قبل أن تولد، وطويت هذه الصفحة أقله الى ما بعد الانتخابات النيابية إذ ستشهد المرحلة المقبلة خطابات مرتفعة السقف، ستزيد الشرخ القائم، وفق مصدر مطلع الذي أكد ان البطريرك الراعي اتصل ويتواصل بشكل مستمر مع القادة المسيحيين إلا أنه التمس منهم عدم الرغبة في الاجتماع لأن الجو متشنج والآراء متباعدة جدا.

وحسب المصدر المطلع الذي أوضح عبر “لبنان الكبير” انه “ليس المهم الاجتماع بالشكل بل بالهدف منه ومضمونه وما يمكن أن ينتج عنه من خريطة طريق أو خطوط عريضة يتفق عليها المجتمعون، مشددا على ان الاجتماع لو عُقد سيكون فولكلوريا في ظل هذه الهوة العميقة بين القادة المسيحيين. الأمور واضحة، هناك انقسام بين من هم مع الدولة وبين من يؤيد خيارات الدويلة أي ان حزب القوات اللبنانية، وحزب الكتائب اللبنانية على الرغم من تغريده خارج سرب الاصطفافات لا يلتقيان في طروحاتهما ومقاربتهما للقضايا الوطنية مع تياري المردة والوطني الحر اللذين يؤيدان خط حزب الله، وبالتالي، فإن الجهتين باتا تسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان”.

ورأى انه “طالما لا جدوى ولا نتائج ايجابية لهكذا اجتماع، فمن غير المقبول اضاعة وقت الناس خصوصا ان هوة الخلاف أصبحت أكبر من أن تُردم مع العلم ان هذا الانقسام ليس على المستوى المسيحي فقط انما على المستوى الوطني بين خيارين: خيار الدولة وخيار الدويلة”.

واعتبر المصدر ان “أي حوار يجب أن يكون أكثر من جدي، ويبحث في القضايا الوطنية الكبرى بعمق لأن الخطر اليوم على الكيان”. وأسف “لعصيان بعض الزعماء المسيحيين الذين لا يؤيدون طروحات البطريرك الحيادية لأنهم يقاربون الامور الوطنية انطلاقا من مصالحهم الخاصة. واذا كان الاجتماع سيتحول الى حوار الطرشان، فمن الأفضل عدم حصوله”.

شارك المقال