إخوان سوريا!

اكرم البني
اكرم البني

والجديد هو البيان السياسي الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين في سوريا لتندّد بالقصف الإسرائيلي الذي استهدف مؤخراً ميناء اللاذقية الخاضع لسيطرة النظام، مشرّعة استخدام المرفأ لنقل الأسلحة الإيرانية التي أوغلت في قتل السوريين وغيرهم، ومسوّغة الموقف على أنه إدانة للعدو الصهيوني على قصفه منشأة مدنية وطنية! وقبلها مطلع عام / 2008 / أعلن إخوان سوريا بعد أسابيع من اعتقال أهم قادة “إعلان دمشق”، وكانوا جزءاً منه، تعليق نشاطهم المعارض للسلطة السورية كتقدير لموقف الأخيرة من الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وصل الأمر بمراقبهم العام إلى حد العتب على نظام دمشق لأنه أضاع الفرصة ولم يلاق مرونتهم بإيجابية.

وبينهما في حزيران / 2017 / تجاوزت جماعة الاخوان موقف مجلس شورتها الذي دعا لتحرير البلاد من الاحتلال، وأصدرت بياناً تحت اسم “الميثاق الوطني لمواجهة تقسيم سوريا” أيدت خلاله حرب حكومة أنقرة للسيطرة على عفرين، مدّعية أن مصلحة الثورة السورية تتقاطع مع مصالح الأشقاء الأتراك، تلاه ترحيب صريح باحتلال الجيش التركي لأجزاء أخرى من البلاد غرب نهر الفرات، على أنه، ليس توغلاً في المحاصصة وتقاسم أراضي البلاد، بل “توجه حميد” و”منعطف تاريخي ومفصلي” في سير الثورة السورية على طريق اسقاط النظام ودحر مشاريع التطرف والانفصال، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه منطقة إدلب وأرياف حلب لعملية قصف واجتياح، حقق خلالها النظام وحلفاؤه تقدماً لافتاً نحو مدينتي معرة النعمان وسراقب.

ما سبق ليس غريباً على جماعة إخوان سوريا التي تفاخر، بقوة ارتباطها بمن تسميهم أخوة المنهج، ودفاعها الأعمى عنهم ظالمين كانوا أو مظلومين، كإخوان مصر وحركة حماس وحزب العدالة والتنمية وغيرهم، بما في ذلك مغازلة إيران وحزب الله، عبر مزايدات وطنية رخيصة، والاندفاع لمهادنتهما وأحياناً مساندتهما عندما يتعرض المنبع الإيديولوجي الديني المشترك للنقد أو التهديد.

لا يحتاج المرء إلى كبير عناء كي يكتشف تكرار السلوك المغرض والمتخاذل لإخوان سوريا في العديد من المحطات والمفاصل السياسية التي عصفت بالبلاد وبمسار تطور الثورة السورية وقوى المعارضة، وتحفل صفحات التاريخ البعيد والقريب، بالكثير من المواقف والممارسات التي تنصّلت فيها جماعة الاخوان المسلمين من التزاماتها الوطنية وادعاءاتها الديموقراطية ومنحت الأولوية لمصلحتها الخاصة ولمشروعها الايديولوجي الأممي، ولما يسمى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، تحدوها افعال تفيض بالمراوغة والاستئثار والتمييز والاقصاء وأيضاً بالعنف والإرهاب، وتالياً بعداء صريح لشعارات السلمية والعدالة ودولة المواطنة التي رفعتها كي تعيد بناء جسور الثقة مع المجتمع السوري ونخبه الثقافية والسياسية.

أولاً، تواطؤ إخوان سوريا أو على الأقل صمتهم عن تقدم الشعارات ذات الطابع الإسلاموي في المراحل الأولى من تطور الحراك الشعبي، ثم الاستثمار في مساعي النظام لتحويل الصراع السياسي إلى طائفي ومذهبي، كمقدمة لفرض تصوراتهم وشعاراتهم ونمط حياتهم على المجتمع، مما شوه ثورة السوريين، وهتك حضورهم كشعب واحد، جنباً إلى جنب مع تقصّد إهمال دورهم في تعرية خطاب الجماعات الاسلاموية المتطرفة وفضح ارتكاباتها، بما هو إحجام عن تمييز أنفسهم كحركة سياسية إسلامية معتدلة، كما يدّعون، من واجبها خلق اجماعات وطنية جديدة بين السوريين، وتعزيز الثقة بين مختلف مكوناتهم، مما كشف في وقت حرج، زيف ادعاءاتهم، حتى بات البعض لا يجد فارقاً نوعياً بينهم وبين الجماعات السلفية المتطرفة والعنيفة.

ثانياً، التنصّل من موقفهم النقدي الذي أعلنوه في غير بيان ووثيقة من العنف والعسكرة، ثم غضّ النظر عن نهوض جماعات اسلاموية، وسيلتها الرئيسية السلاح ومنطق الغلبة، والأنكى تقديم الغطاء السياسي والإعلامي لها، ربطاً بخلق شبكة علاقات لتجنيد المواطنين في كتائب ساعدت على تأسيسها تحت مسمّيات دينية، مما أدى إلى تشويه ثورة السوريين وهتك إجماعهم الوطني وتكريس سطوة الإيديولوجيا الدينية على تعدد اجتهاداتها، محفوفة بإشاعة المزايدات الاسلاموية حول مفاهيم “الإمارة” و”البيعة” و”المحاكم والهيئات الشرعية”، وتشجيع على خلق فصائل عسكرية بأسماء وشعارات دينية.

ثالثاً، تسعير روح الاستئثار وأساليب الاقصاء وتفعيل مبدأ المغالبة مع الأطياف الوطنية والثورية لتعزيز السيطرة على هيئات المعارضة السورية، إن بتثقيل حصّتها التنظيمية أو بزرع أكبر عدد ممكن من كوادرها في المواقع القيادية، بما في ذلك اعتمادها المناورة وتشكيل عشرات الكيانات المرتبطة بها للتغلغل والتمدد في مختلف الهيئات المدنية والإغاثية، مما حكم بالفشل على عمل تلك الهيئات أو مأسستها، وأعاق دورها في بلورة نهج وطني جامع.

ربما هي إحدى مآثر التضحيات العظيمة التي قدمتها ثورة السوريين، أنها فضحت هذا النهج المذل والأناني لإخوان سوريا، وحجم الزيف في مواقفهم وادعاءاتهم، وسرعة انقلابهم على ما يعلنونه شكلاً من مبادئ وطنية، والأهم عجزهم المزمن عن التجدّد السياسي والخروج من عالم الوصاية والاستئثار والاقصاء، بما في ذلك قدراتهم الفريدة على اقتناص الفرص والمراوغة وتسويغ أي أمر لقاء جني المكاسب ودعم مشروعهم الاسلاموي الخاص، حتى وإن كان على حساب دماء الناس وأبسط القيم والحقوق الإنسانية.

في الماضي، لم تنجح محاولات خلق قوى سياسية إسلامية معتدلة في تخليص المجتمعات العربية من السيطرة العثمانية المديدة، بينما نجح الفكر القومي عندما دعا الى المساواة بين أبناء “الأمة الواحدة”. واليوم يعيد التاريخ طرح السؤال، هل تبقى الأكثرية المظلومة أسيرة زعامات سياسية ودينية أدمنت الجمود والتقليد ولا تؤمن بالتنوع والتعددية وبحقوق الآخر المختلف، وتسعى لتجيير الصراع السياسي نحو أبعاد متخلفة طائفية ومذهبية كي تكرس حضورها وامتيازاتها؟ أم أن واجبها ومسؤوليتها يحتّمان عليها تصدر المشهد بصورتها الوطنية الجامعة، بداية لتنزيه الدين من دنس المصالح الدنيوية، ثم توظيف قدراتها وكفاءاتها لبناء وطن معافى يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس من دون النظر إلى جنسهم أو مذهبهم أو دينهم أو قوميتهم.

شارك المقال