“يوم غضب” المنظومة… رسالة سياسية أو تنفيسة شعبية؟

هيام طوق
هيام طوق

الباصات والفانات التي يستخدمها الناس للتنقل بين منطقة وأخرى، تحولت أمس الى عوائق قطعت أوصال البلد عن بعضه بعد أن دعا اتحاد النقل البري والاتحاد العمالي العام الى “يوم غضب” احتجاجا على الاوضاع المعيشية وعلى عدم التزام الحكومة بوعودها تجاه السائقين العموميين.

“يوم غضب” لم يأت على قدر الآمال ولم يجسّد حجم الأزمات التي تخطت مرحلة الغضب المترافق مع عوارض ومستويات مرتفعة من الادرينالين وزيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم الى مرحلة الشلل والوضع الميؤوس منه حيث الدم يتدفق ببطء شديد، وباتت ضربات القلب متقطعة مما ينذر بأن الآتي أعظم، وان المرحلة في غاية الدقة والخطورة، واذا لم تتم معالجة أسباب العوارض القاتلة، فعلى الدنيا والبلد السلام.

لا يختلف اثنان ان كل الناس غاضبة، لكن في الوقت عينه قلة قليلة منهم شاركت في التحركات أمس لأسباب كثيرة: البعض مقتنع ان “لا حياة لمن تنادي” لان الدولة مشلولة والحكومة معطّلة والوزارات تفتقر حتى للقرطاسية، وبالتالي، لا أمل في تلبية أبسط المطالب، وهم ينتظرون “على نار” لمحاسبة السلطة في صناديق الاقتراع لأن أي معالجة تخديرية عبر ابرة مورفين مزيفة لا جدوى منها، والتركيز يجب ان يصب على معالجة أسباب الازمات وليس النتائج بمعنى “قبع” السلطة من جذورها.

والبعض الآخر، يعتبر ان تجارب التحركات السابقة كان مصيرها الفشل الذريع لأن من يدعون اليها هم من أهل البيت، وجزء لا يتجزأ من تركيبة السلطة المسؤولة عن تجويع الناس، وبالتالي فإن التحركات مشبوهة على الرغم من عنوانها المطلبي المعيشي، وتحمل في طياتها أهدافا ورسائل غير بريئة حتى ان الكثيرين تحدثوا عن امكان لجوئها الى سيناريو إسقاط الحكومة من خلال تحرك نقابي هنا، ومظاهرة مطلبية هناك.

وفيما يجلس من هم في السلطة على كراسيهم الفخمة، وينظرون من أبراجهم العالية على شعب أوصلوه الى الموت جوعا وعوزا ومرضا، فإن غالبية الناس يصرخون في أعماق نفوسهم، ان أعلنوها جهارة أو لم يعلنوها: لا ثقة بالسلطة وبمتفرعاتها خصوصا ان الكل بات يشمئز من الشعارات الرنانة والوعود الفضفاضة التي يطبق عليها المثل القائل: اقرأ تفرح جرّب تحزن.

ووفق الخبراء، فإن مثل هذه التحركات الفولكلورية بأجندات سياسية، بتوقيت محدد وفق برنامج افتتاحي وختامي، لم تعد مقبولة، ولا يمكن ابتلاعها كما لم يعد بالامكان الضحك على عقول الناس الذين عبّروا خير تعبير عن “يوم الغضب” أو يوم الغضبaux chandelles ، ويؤكدون ضرورة اتخاذ اجراءات كاملة متكاملة للانقاذ الفعلي.

وقال الكاتب والناشط السياسي سمير سكاف: “لا دور مباشر لنا كثورة بتحركات الامس. انه عمل نقابي، وقسم من النقابيين موجود في أحزاب السلطة، وبالتالي، العمل النقابي في لبنان يختلف عما هو عليه في الخارج حيث تكون النقابات مستقلة عن الاحزاب في الحكم”.

ورأى ان “المشاركة في يوم الغضب لم تكن على قدر الآمال، ولم يتجاوب مع الدعوة عدد كبير من السائقين العموميين مع العلم ان الشلل الكامل في البلد جاء نتيجة التزام الناس في المنازل، مشيرا الى ان الهم المعيشي أصبح كبيرا جدا، والارتطام الكبير أو السقوط الحر كان يجب ان يحصل من قبل ولم يحصل حتى الآن. نحن ذاهبون الى الأسوأ، والمسار الانحداري سيتسارع، والوقائع تشير الى انه لا يمكن الهروب منه. نحن اليوم، كسيارة بلا فرامل”.

واعتبر ان “المشكلة الكبرى في قطع علاقات لبنان بالدول العربية مع العلم ان البوابة الوحيدة للخروج من الازمات حاليا هي بوابة الاشقاء العرب، وكل الابواب الاخرى مقفلة”.

من جهته، اعتبر الباحث السياسي والاقتصادي بلال علامة ان “الناس لم تعد تثق بالقيادات التي تدعو الى هذه التحركات، وكل دعوة تأتي من قبل بقايا المنظومة تكون دعوة مشبوهة لا يتجاوب معها الناس بل يفضلون الالتزام في المنازل ومراقبة مجريات الوضع، مشددا على ان الانفجار الكبير قد لا يكون بهذه الصيغة تحديدا، ربما يكون شعبيا لا علاقة له بدعوات وجهات منظمة وتحديد التوقيت، نتيجة الانهيارات المتوالية وعقم الدولة عن اتخاذ اجراءات، كل ذلك سيؤدي في مكان ما الى هذا الانفجار لكن التوقيت يبقى رهن الظروف”.

ورأى ان “يوم الغضب أمس اذا لم تكن أهدافه سياسية، فهو حكما وراءه نية بتنفيس الغضب الشعبي خصوصا ان الغضب لا يخضع لمقاييس الوقت، مؤكدا انه لا يمكن بهذه الظروف ان تحل الامور بهذه الطريقة، والمطلوب خطة متكاملة باتت رهن مفاوضات صندوق النقد”.

كما لفت الباحث في الشؤون السياسية والأمنية نزار عبد القادر الى “اننا نعيش حالة من الضياع الكامل. من دعا الى يوم الغضب من أتباع من هم في سدة الحكم الذين يقولون انهم يبحثون عن حلول، لكن اذا كانت الحلول لديهم معطلة، ماذا يفيد الغضب؟ الدولة تحولت الى دولة فاشلة، وليس هناك اي اهتمام بأوجاع الناس، والأجدى هو البحث عن حلول لوقف الانهيار”.

وسأل: “لماذا هؤلاء الغاضبون لا يقفلون المعابر غير الشرعية بدلا من اقفال الطرقات امام الناس؟ وهل هناك دولة للضغط عليها لتحقيق المطالب كما يقولون؟ في وقت تتلهى المنظومة بتقاسم الحصص والحفاظ على مصالحها”.

شارك المقال