واشنطن بوست: النظام الإيراني لا يستطيع خداع المغتربين

حسناء بو حرفوش

لا يخفى على أحد أن الكثير من العداء يشوب العلاقات بين النظام الإيراني والمجتمع الدولي، لكن الجدل يدور اليوم بشكل أكبر حول العلاقات المشحونة لهذا النظام بالمغتربين الإيرانيين نفسهم، في ديناميكية يجب أن تسترعي انتباه الولايات المتحدة والقوى الأخرى التي تجتمع مع إيران للتفاوض حول الملف النووي، حسب مقال على موقع “واشنطن بوست” الإلكتروني الأميركي.

ووفقا للتحليل، “كشفت وزارة الخارجية الإيرانية مؤخرا عن موقع إلكتروني مثير للفضول، يزعم أنه يسمح للمواطنين الإيرانيين المقيمين خارج البلاد، بتحميل بياناتهم وبتلقي رد رسمي لدى الاستفسار حول أي قضايا قانونية قد تكون مرفوعة ضدهم، في حال اختاروا العودة إلى وطنهم. ويعتقد بعض المراقبين أن الموقع عبارة عن مجرد حيلة لجمع المعلومات وربما رصد الرهائن المحتملين. وهو على الأرجح اعتراف آخر واضح أن قادة إيران ينظرون إلى أصول الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج على أنها مصدر رئيسي للدخل وعلى خوفهم من نفاد هذا المصدر.

ويصادف إطلاق الموقع الجديد على الإنترنت مع دعوات كبار المسؤولين في إيران، بمن فيهم الرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي، لإيجاد طرق مبتكرة من أجل جذب الإيرانيين المغتربين وأموالهم، للعودة إلى البلاد. وقد قوبلت الجهود الحكومية الأخيرة لإقناع المغتربين الإيرانيين بأنهم آمنون بالعودة، بالسخرية على نطاق واسع لأسباب وجيهة. لكن الأمر يستحق استكشاف سبب اعتقاد السلطات أنها بحاجة لتهدئة هذه المخاوف. وفي الواقع، يجب الاعتراف بأن إيران ضعيفة بشكل خاص في هذه الناحية. والحال أن المضايقات التي قام بها النظام واستهدافه للمغتربين وأخذ الرهائن تعكس إخفاقات إستراتيجية لم تدمر فقط صورة البلاد وإنما اقتصادها أيضًا. ونظرًا لأن الملايين من الإيرانيين المقيمين في الخارج يشعرون بشكل متزايد بأن العودة إلى الوطن ليست آمنة، تفقد إيران شريان حياة نقديا مهما لاقتصادها المنهك.

ولاستدارك الأمور، سارع النظام الى توجيه أصابع الاتهام من خلال إدانة تركيز وسائل الإعلام التي وصفها بالمعادية لإيران ونشرها تقارير كاذبة بين المغتربين الإيرانيين. وأكد وزير الخارجية الإيراني بسخرية في تشرين الثاني الماضي، على إمكان تنقل المغتربين الإيرانيين وسفرهم إلى إيران من دون قلق، ثم العودة مجددا إلى بلدان إقامتهم. ومع ذلك، ليس على النظام إلا ملامة نفسه. وحسب حسابات طهران، يحتاج النظام الإيراني من أجل مواجهة الاقتصاد المنهار، للوصول إلى الثروة التي جمعها الإيرانيون المتعلمون والناجحون على مدى السنوات الـ 43 الماضية في بلدان الاغتراب. أما الرسالة التي يحاول إيصالها للإيرانيين في الخارج من خلال هذا المشروع فهي أنه عندما يتعلق الأمر بالإنفاق على السفر والاستثمار، لا يوجد مكان مثل الوطن. لكن، على الرغم من أن الروابط العاطفية مع بلد المنشأ قد تشكل حافزا قويا، إلا أن المخاطر كبيرة للغاية.

وصودفت في الثامن من كانون الثاني ذكرى مرور عامين على إسقاط الحرس الثوري الإسلامي طائرة ركاب بعد لحظات من إقلاعها من مطار طهران الدولي. وفقد جميع من كانوا على متن السفينة وعددهم 176 شخصا، حياتهم ومن ضمن الضحايا 85 مواطنا ومقيما بشكل دائم في كندا، بالإضافة إلى مواطنين من أفغانستان وأوكرانيا والسويد وبريطانيا. وخلال الأسبوع الماضي، قضت محكمة في كندا بتحميل طهران مسؤولية مقتل ستة كنديين لقوا حتفهم في الحادث. ووصف القاضي إسقاط الطائرة بأنه عمل “إرهابي”.

بالإضافة إلى ذلك، تطالب الدول الديموقراطية الأربع والتي تدخل ضمن المفاوضات النووية، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب الدولة المضيفة النمسا، بعودة مواطنين إيرانيين المولد محتجزين كرهائن في إيران. وخلصت العديد من المحاكم الأميركية في القضايا المرفوعة ضد إيران، بتهمة قتل أو احتجاز رهائن أميركيين، لقرارات تدين الجمهورية الإسلامية بارتكاب أعمال إرهابية. فكيف بالمغتربين أن يثقوا بأن عودتهم ستكون آمنة؟

ولطالما أصر المفاوضون الغربيون على إبقاء القضايا المتعلقة بحقوق الإيرانيين خارج المحادثات مع طهران، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى مطالبة النظام الإيراني بذلك. وهم يجادلون أن فصل مسارات التفاوض تمنع المسؤولين الإيرانيين من استغلال هذه القضايا الإنسانية كوسيلة ضغط. لكن هذا النهج لم يعد حكيما ولا فعالا بشكل متزايد. وفي حال العودة إلى الاتفاق النووي، يجب على المجتمع الدولي استخدام جميع الأدوات المتاحة لوضع حد للأنشطة التدميرية الأخرى للنظام.

كما يجب على الحكومات الغربية أن توضح بشكل علني أنها لن تقف متفرجة أمام ممارسات أخذ الرهائن داخل إيران وحول العالم، وأنها ستحرص على تنفيذ الأحكام القانونية ضد الجمهورية الإسلامية في جرائم الإرهاب. وعلى مستوى آخر، يجدر بالديبلوماسيين أيضا إشراك إيران في القضايا الإنسانية، والتأكيد على المزايا قصيرة وطويلة الأجل لإنهاء الممارسات غير القانونية التي تستهدف الناس العاديين. إذا أراد النظام في إيران حقا تغيير علاقته مع المغتربين، عليه أن يعترف بأن شعبه يغادر البلاد على وجه التحديد بسبب معاملته للإيرانيين واستخفافه بحياتهم وحريتهم. وما لم يفعل ذلك، فإن المبادرات الجديدة لن تعدو كونها أكثر من سلسلة أخرى من الوعود الكاذبة… المضحكة المبكية”.

شارك المقال