المخرج من العقوبات توحيد عقود الكهرباء الأردنية والغاز المصري

وليد شقير
وليد شقير

هل تعجّل الرسالة التي سلمتها السفيرة الأميركية دوروثي شيا لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتأكيد أن استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا لا يخضع لعقوبات قانون قيصر، في خطوات الـ”السواب” بين مصر وسوريا، بحيث يحصل لبنان على غاز سوري مقابل الغاز الذي ستنقله مصر عير الأنبوب العربي إلى سوريا؟

فالقضية كانت عالقة في المرحلة الأخيرة عند مسائل تقنية تتعلق بإصلاح الجزء الممتد من سوريا إلى دير عمار في لبنان، من أنبوب الغاز، وقانونية، إذ اشترطت القاهرة منذ أكثر من شهرين الحصول على رسالة تؤكد بلا مواربة أنها لن تخضع لعقوبات قانون قيصر إذا جرى نقل الغاز المصري إلى سوريا. وهو أمر كان مدار بحث خلال الأسابيع الماضية في وزارة الخزانة الأميركية.

وهذا المشروع الذي بادرت إلى طرحه السفيرة شيا منذ شهر آب الماضي، من أجل تحسين التغذية بالكهرباء، رداً على إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عن استيراد حزبه المازوت الإيراني إلى لبنان، يخضع للصراع السياسي على الأدوار والنفوذ دولياً وإقليمياً في لبنان، بدليل ما قاله نائب الأمين العام لحزب الشيخ نعيم قاسم، أمس، والذي كرر ربط الأزمة الحياتية بـ”الحصار الأميركي على لبنان”، في سياق نفي الحزب الدائم الاتهام الذي يوجهه إليه معارضوه، بأن تكون تدخلاته الخارجية وسيطرته على السلطة من العوامل الرئيسية التي تسببت بالأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان. وقال قاسم في كلمة له: “استطعنا بحمد الله تعالى أن نواجه بالمازوت الإيراني حصار إمداد لبنان بالكهرباء عبر سوريا من الأردن ومصر، وقد خضعت أميركا لأنها وجدت أن بدائل معينة يمكن أن نقوم بها وهي لا تريد أن تعطي هذا المكسب لحزب الله فسارعت وأعطتنا المكسب بأنها أثبتت للناس أنها هي التي تحاصر وأنها لا تستطيع أن تصمد في حصارها إذا كنا نتصرف بطريقة صحيحة”.

تنسب قيادة “حزب الله” لمواقفه بأنها كانت السبب في القرار الأميركي بإعفاء لبنان وكذلك سوريا من العقوبات، في سياق الصراع على النفوذ في البلد ويُخضِع الحزب مسألة تأمين الخدمات البديهية للبنانيين لسياق صراعه مع الولايات المتحدة وحلفائها، في وقت يتخبّط اللبنايون بتأمين مقومات الحياة الرئيسية جراء الانهيار الاقتصادي والمالي الذي عصف بهم منذ سنتين، بسبب سياسات التعطيل التي حالت دون الإصلاحات الاقتصادية، والتي مارسها مع حلفائه في الحكم طوال السنوات الأخيرة لأهداف تتعلق بالاستئثار بالسلطة من أجل تجيير لبنان لمصلحة محور الممانعة. ويرفض أن يُنسب الحصار الذي يتعرض له ومعه لبنان إلى تلك السياسات التي تسببت بها.

وثمة من يعتقد أن الجانب الأميركي لا يمانع في إعفاء سوريا من عقوبات قيصر نظراً إلى أن عملية نقل التيار الكهربائي والغاز المصري عبرها هو بروفة لإدخالها في منتدى الشرق الأوسط للغاز الذي يضم إسرائيل إضافة إلى مصر واليونان وإيطاليا وقبرص والإمارات العربية المتحدة (مؤخراً).

وفي وقت تسعى الولايات المتحدة إلى الحؤول دون أن يستفيد الحزب من الأزمة الخانقة التي يعيشها اللبنانيون من أجل تحقيق المزيد من مكاسب النفوذ، جاءت الرسالة التي نقلتها السفيرة شيا إلى الرئيس ميقاتي نتيجة لقاء جمع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب خلال زيارة له إلى واشنطن بمسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريت ماكغورك لبحث الأزمة اللبنانية، بحضور مسؤولين في الخارجية. فالمسؤول الأميركي كرّر أمام وزير الخارجية الموقف الأميركي أن لبنان يحتاج إلى اتخاذ الإجراءات الإصلاحية التي تشجع الدول الأخرى على مساعدته، على القاعدة التي صارت معروفة والتي تطلب الدول الغربية من المسؤولين اللبنانيين تطبيقها، “ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم”. وفي هذا السياق، لفت بوحبيب إلى أنه بالإضافة إلى ما هو مطلوب من لبنان فإن هناك أموراً باستطاعة الجانب الأميركي المساعدة فيها، فأثار مسألة استجرار الغاز المصري والحاجة إلى كتاب تصر عليه القاهرة، بأن بيع الغاز المصري للبنان عبر سوريا لن يخضع للعقوبات، يكون أكثر وضوحاً من رسالة تطمين كانت الخزانة الأميركية أرسلتها إلى القاهرة قبل زهاء أربعة أشهر. تجاوب ماكغورك سريعاً في هذا الصدد وأبلغ بوحبيب أن اتصالاً سيجري مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في هذا الشأن. وعُلم لاحقاً أن كبير مستشاري وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة، آيموس هوكشتين، الذي هو في الوقت عينه الوسيط الأميركي بين لبنان إسرائيل في المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية، شجع على خطوة إرسال كتاب إلى الجانب اللبناني لهذا الغرض وعلى التواصل مع الجانب المصري، للتأكيد على أن تزويد لبنان بالغاز عبر سوريا لا يخضع للعقوبات. وجرى إبلاغ بو حبيب لاحقاً أن اتصالاً جرى مع القاهرة أيضاً.

بالتزامن مع زيارة بوحبيب إلى القاهرة، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لميقاتي خلال لقائه به في 10 كانون الثاني الجاري في شرم الشيخ على هامش مؤتمر الشباب العالمي “التضامن الكلي مع لبنان في الضائقة التي بمر بها، مبديا استعداد مصر للمساهمة في إيصال الغاز المصري وفق المعاهدات الموقعة، وأعطى توجيهاته لتسهيل الموضوع والإسراع في تنفيذه”، حسب الوكالة الوطنية الرسمية للإعلام.

السفيرة شيا التي تتابع هذا الأمر منذ طرحه في تموز 2021 خلال زيارة الملك الأردني عبد الله بن الحسين إلى واشنطن واجتماعه مع الرئيس جو بايدن، إذ طلب إليه استثناء لبنان والأردن من استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري للبنان عبر سوريا، قالت عن الرسالة التي سلمتها أول من أمس إلى الرئيس ميقاتي إنها “كتاب رسمي خطي من وزارة الخزانة الأميركية أجابت خلاله على بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية بخصوص اتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة على تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر”. وأكدت السفيرة الأميركية بموجب هذا الكتاب أنه “لن يكون هناك أيّ مخاوف من قانون العقوبات الأميركية، وأنّ الرسالة التي سلمتها إلى ميقاتي تحقق زخماً الى الأمام لإحراز تقدم في معالجة أزمة الطاقة التي يعاني منها الشعب اللبناني”.

هل سيكتفي الجانب المصري بالكتاب الأميركي إلى الجانب اللبناني، وبالاتصال به من جانب وزارة الخزانة؟ فعمّان كانت حصلت على تأكيد أن تمريرها الكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية التي لا بد من أن تتقاضى رسوماً عليها وتحصل على جزء من الطاقة، يسري عليه استثناءها من العقوبات.

الجانب المصري لم يتبلغ بمضمون الكتاب الذي نقلته شيا إلى ميقاتي. وكان سبق كل ذلك إصرار مصري على الحصول على كتاب واضح من الخزانة الأميركية لأنها لا تكتفي برسالة التطمين التي سبق أن بعثت بها إليها، وأنها تحتاج إلى كتاب يؤكد أن الشركة القابضة التي تتولى تسويق وبيع الغاز المصري تتصرف على أساس صيغة قانونية تعفيها من أي عقوبات محتملة، خصوصاً أن العملية قد ترتب التزاماً طويل الأمد. وعند نقل الطلب إلى واشنطن قبل شهرين، فإن الدائرة القانونية في الخزانة الأميركية أرادت معرفة طبيعة العقود التي ستجري لإتمام عملية جر الغاز للتأكد من الشركات التي ستتولى العملية.

وفي وقت كان الجانب الأميركي يأمل نجاح إيصال الغاز المصري قبل نهاية 2021، فإن السعي إلى تجاوز العقبات القانونية يسير بالتوازي مع معالجة العقبات التقنية المتعلقة بإصلاح أنبوب الغاز على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يتطلب تمويلاً غير متوفر لدى الجانب اللبناني، سيتم تأمينه من قرض البنك الدولي الذي سعت واشنطن إلى ضمانه والذي يشمل دفع ثمن الغاز الذي سيتم استخدامه لإنتاج الكهرباء، إضافة إلى البدل المالي للكهرباء الأردنية.

وفيما يسعى الجانب الأميركي إلى إيجاد طريقة من أجل إرضاء الطلب المصري فإن من المخارج التي قد يتم اللجوء إليها لتجاوز كل هذه العقبات توحيد العقود بين مصر ولبنان وسوريا وبين لبنان والأردن وسوريا في عقد واحد، طالما أن البنك الدولي سيتولى تمويل العمليتين بالقرض الذي سيقدمه للبنان، فيكون هو المعني بعملية تزويد لبنان بالكهرباء، سواء عن طريق الشبكة الأردنية أو عن طريق الغاز المصري.

شارك المقال