بينما تراقب الولايات المتحدة والعالم بحذر تطور الأحداث على الحدود الأوكرانية والتعزيزات العسكرية الروسية، من المحتمل أن هناك زعيم عالمي آخر يراقب الأحداث باهتمام شديد، وهو الرئيس الصيني شي جين بينغ، وفقا لتحليل على موقع “ذا أتلانتيك”. والحال أن للصين أيضا اهتماماتها الجيوسياسية، ولكن في هذه الحالة بخصوص تايوان. وعلى غرار بوتين، الذي يتوق إلى إعادة بسط سيطرة موسكو على أوكرانيا، يشعر الرئيس الصيني بالقلق من أن جزءا سابقا من إمبراطورية بلاده يقترب أكثر من الولايات المتحدة وحلفائها. والواقع أن كيفية تفسير شي (أو الأسوأ من ذلك، سوء تفسيره) لنتيجة المواجهة مع أوكرانيا قد تؤثر في إمكانية وكيفية محاولة الصين لإعادة التوحيد مع تايوان، وهذا ما سيترك تداعيات على أمن واستقرار شرق آسيا.
كل ذلك يجعل من أزمة أوكرانيا اختبارا حاسما للقوة الأميركية العالمية. وقد أدت أربع سنوات من الفوضى التي تسبب بها دونالد ترامب في الخارج، بالإضافة إلى الاستقطاب السياسي والاجتماعي والاستجابة الفاشلة لجائحة كورونا في الداخل، إلى تغذية التصور العالمي حول اقتراب القوة الأميركية العظمى من مراحلها الأخيرة، إذ تعاني الدولة من الانقسام والارهاق وعدم القدرة على الحفاظ على التزاماتها البعيدة. وتعززت هذه الرواية مع انسحاب بايدن الفاشل من أفغانستان، وترسخت داخل الدعاية الرسمية للقيادة الصينية. وفي الوقت الذي يكثف فيه شي وبوتين وغيرهما من الحكام المستبدين جهودهم لدحر القوة الأميركية، تواجه الولايات المتحدة التحدي الأشد لإثبات تفوقها العالمي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
وأصبح مصير أوكرانيا متشابكًا بشكل وثيق في هذه المنافسة المتجددة بين القوى العظمى. وفي حين قد تنجح المفاوضات في الدفع باتجاه حل وسط يجنّب أوكرانيا الغزو الروسي، لا يزال الجمود قائما بشأن عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو، وهو أمر يرغب بوتين بشدة في منعه. وبالتالي، يظهر أن ميزان القوى بين الولايات المتحدة وروسيا في أوروبا الشرقية على المحك. ومع ذلك، ستتردّد أصداء النتيجة النهائية خارج حدود المنطقة، حيث ستؤثر في صورة القوة الأميركية وقدرتها على الحفاظ على السلام وتعزيز الديموقراطية، أو التراجع لصالح صعود الأنظمة الاستبدادية التي ستستعيد النفوذ الذي فقدته منذ عقود في العالم.
وقد يرى قادة مثل بوتين وشي فرصة في هذه الفترة المهمة للغاية (…) ولطالما شكل مضيق تايوان، الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي، نقطة توتر محتملة منذ سبعة عقود، لكن التوترات تصاعدت بشكل كبير في العامين الماضيين. وقام شي بشكل روتيني بإرسال أسراب من الطائرات النفاثة بالقرب من تايوان كما أجرى تدريبات عسكرية خطيرة بالقرب من الجزيرة في محاولة واضحة لمضايقة وترهيب الحكومة الديموقراطية. وعلى الرغم من أنه ذكر مرارا الوحدة السلمية في نهاية المطاف، أثار موقفه العدواني مخاوف في تايوان وحول المنطقة من تفكيره بالغزو من أجل استعادة المقاطعة.
ولعل شي يعتقد أن تايوان تنجرف في اتجاه يضر بالمصالح الوطنية للصين، تمامًا كما ابتعدت أوكرانيا أكثر من أي وقت مضى عن الفلك الروسي. وقد حاولت رئيسة تايوان المستقلة، تساي إنغ ون، تقليص اعتماد الاقتصاد على الصين وتمكين العلاقات مع الولايات المتحدة ودول أخرى. كما سعت واشنطن إلى روابط أوثق بدورها.
ما الذي يقلق الصين؟
حسب شيلي ريغر، الخبير في الشؤون التايوانية في كلية ديفيدسون في نورث كارولاينا، يحاول شي معرفة ما إذا كانت واشنطن تمر بتحول سياسي ترى فيه تايوان كنوع من الأصول الاستراتيجية الأساسية لمنع أو قمع صعود الصين. وبالتالي، سيراقب شي الوضع في أوكرانيا بحثًا عن معلومات استخباراتية مفيدة حول الأدوات التي قد يستخدمها بايدن في نهاية المطاف للضغط على روسيا للتراجع، ومدى استعداده للتخلي عن تسوية محتملة مع بوتين، وكيفية عمله بشكل فعال مع الحلفاء وحتى مع ديبلوماسييه. بعبارات أخرى، يتطلع الزعيم الصيني لقياس مستوى التصميم الأميركي.
(…) ومع ذلك، إن افتراض أن رد الولايات المتحدة على الأزمات المتعلقة بتايوان وأوكرانيا سيكون قابلا للمقارنة مقاربة خاطئة، بل وخطيرة أيضا. فعلى الرغم من أن بايدن استبعد إرسال قوات أميركية من جانب واحد للدفاع عن الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية، إلا أن واشنطن تركت موقفها بشأن التدخل العسكري نيابة عن تايوان غير واضح. وقد صممت سياسة “الغموض الاستراتيجي” طويلة الأمد بشأن هذه النقطة كرادع للعمل العسكري الصيني. كان على شي أن يفترض أن غزو تايوان قد يورّطه في حرب مع الولايات المتحدة. كما يمكن القول إن لدى الولايات المتحدة أسبابا للقتال من أجل تايوان أكثر من الأسباب التي تدفعها للانخراط في أوكرانيا. فقد تكتسب تايوان أهمية أكبر للمصالح الوطنية الأميركية.
أضف إلى ذلك أن المواقف الإستراتيجية للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا تختلف أيضا. قد تقيّد خيارات بايدن بشأن أوكرانيا بحلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وقد يشترط رده على بوتين بالمدى الذي يرغب به زملاؤه الأوروبيون (…) وفي تايوان، قد تحظى الولايات المتحدة بالمزيد من الدعم من الحلفاء الإقليميين لاتخاذ موقف قوي. عدا عن ذلك، اقترحت اليابان سابقا الدفاع عن تايوان في حال تعرضت الجزيرة لهجوم من الصين (…) ومن الواضح أيضا أن اليابان، القوة الكبرى الأخرى في شرق آسيا، تنظر إلى سلامة تايوان على أنها مصلحة وطنية، وهذا أيضا قد يمثل رادعا لشي.
وعلى الرغم من أن الغزو الروسي لأوكرانيا ليس بالنجاح المضمون، من المحتمل أن بوتين قدّر أن فرصه جيدة لاجتياح جاره. على النقيض من ذلك، قد يفضي الهجوم العسكري الصيني عبر مضيق تايوان شديد التحصين، إلى صراع دموي وطويل الأمد، وقد يتسبب بإحراج مكانة شي وربما النظام الشيوعي. وبالإمكان أن ينسق شي وبوتين هجماتهما، أو قد تستغل بكين تشتيت انتباه الحرب الأوروبية للاستيلاء على تايوان. لكن هناك حجة تدحض هذا السيناريو بالتركيز على أن الصينيين لا يفضلون الإستعانة بمصادر خارجية كما أنهم غير مستعدين بعد لاستخدام القوة.
ومع ذلك، من الصعب توقع ما قد يفعله الديكتاتوريون. ربما يحسب شي أن محاولة توحيد تايوان بالقوة مع البر الرئيسي يخدم مصالحه السياسية الشخصية ويعزز موقعه ويحفر اسمه في سجلات التاريخ الشيوعي الصيني. أو قد يخطئ في الحسابات ويفترض أن صراعات بايدن ستجعل الولايات المتحدة مهمّشة. ما يمكن افتراضه بقدر أكبر من اليقين هو أن كلا من أوكرانيا وتايوان تعكسان كيف أن ضعف الولايات المتحدة قد يفتح حقبة جديدة من الصراع العالمي وعدم الاستقرار. ويبحث بوتين وشي حاليا عن نقطة ضعف أميركية كما يراقبان النتائج لاحتساب الخطوة التالية”.
المصدر: defense one