الثنائي المعتكف يعود والدولار الأسود يهدأ

هدى علاء الدين

يشهد لبنان هذه الأيام حركةً متسارعةً من الأحداث السياسية والمالية الإيجابية، المصطنعة إن صح التعبير، إذ وصل سعر صرف الدولار يوم أمس الإثنين إلى الـ 25000 ليرة، مسجلاً انخفاضاً ملحوظاً بعد أن لامس عتبة الـ 34000 ليرة في الأيام الأولى من هذا العام. سببان رئيسيان ساهما في تراجع سعر الصرف وانتعاش الليرة اللبنانية التي تشهد منذ أكثر من سنتين اضمحلالاً في قيمتها. السبب الأول يعود إلى تعديل مصرف لبنان للتعميم الرقم 161 والذي ضخ بموجبه العملة الصعبة في الأسواق بهدف تحجيم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة اللبنانية والتي تجاوزت نهاية العام الماضي الـ 46 تريليون ليرة، وتعزيز دور منصة صيرفة ومحاولة توحيد السعر المتداول عبرها مع سعر الصرف في السوق السوداء. أما السبب الثاني، فيتمثل في تراجع قيادتي حركة أمل وحزب الله عن اعتكافهما الحكومي الذي دام لفترة ثلاثة أشهر والعودة إلى المشاركة في الجلسات الحكومية وحصرها فقط بإقرار الموازنة العامة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي استجابة لحاجات المواطنين الشرفاء وتلبية لنداء القطاعات الاقتصادية والمهنية والنقابية ومنعاً لاتهامهما الباطل بالتعطيل على حدّ قولهما. واعتبرا في بيان مشترك أن المدخل الرئيسي والوحيد لحل الأزمات وتخفيف معاناة اللبنانيين هو وجود حكومة قوية وقادرة تحظى بالثقة وتتمتع بالإمكانات الضرورية للمعالجة.

وفي هذا الإطار، يقول مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير”، إن قرار الثنائي الشيعي أتى نتيجة ضغط داخلي سببته الأزمة الاقتصادية والمالية وما نتج عنها من تداعيات معيشية واجتماعية خطيرة وتحميلهما مسؤولية ارتفاع الدولار، من دون أن يستبعد وجود ضغوط وإشارات خارجية سرّعت في خطوات اتخاذه، لافتاً إلى أن الإبقاء على التمسك بالمطالب السياسية والقضائية قد يقلب المعادلة من جديد في أي وقت في حال حصول أي طارئ غير مرغوب به على هذين الصعيدين. وأشار إلى أن قرار الثنائي سيؤثر بلا شك في سير العمل الاقتصادي والمالي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي تنتظرها العديد من التحديات أبرزها إقرار بنود الموازنة العامة المقرر الانتهاء من صياغتها نهاية الأسبوع الجاري قبل إحالتها إلى مجلس النواب، إذ ليس واضحاً بعد ما هو سعر الصرف الذي سيتم اعتماده وما هي الطرق التي ستلجأ إليها الحكومة من أجل زيادة إيراداتها سواء عبر زيادة سعر الدولار الرسمي ورفع الدولار الجمركي أو زيادة الأعباء الضريبية التي سيكون لها آثاراً سلبية إن لم تترافق مع خطوات إصلاحية ملموسة تعيد للدولة الايرادات المهدورة كي لا يدفع المواطن اللبناني من جديد وحده ثمن هذه الإيرادات. هذا فضلاً عن الانتهاء من خطة التعافي الاقتصادي من أجل تقديمهما لصندوق النقد الدولي في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري إيذاناً ببدء المفاوضات التي طال انتظارها.

وحسب المصدر، فإن حالة الانفراج الحكومي التي تم منحها بموجب هذا القرار وعلى الرغم من أهميته لن تكون كافية، وبالتالي فإنه لا يزال من المبكر جداً الحديث عن حلحلة سريعة للوضعين المالي والنقدي ولا سيما أن الخطوات التي تحتاجها هذه الحلحلة تتطلب قراراً سياسياً من أجل تنفيذها وإقرارها ولن تقتصر فقط على البندين اللذين وافق الثنائي على طرحهما في الجلسات الحكومية المقبلة. فالحلول لا يمكن الوصول إليها من دون اتفاق سياسي يؤمن الأرضية اللازمة لها، بعد أن أثبتت اللعبة السياسية بشكل مباشر مدى قدرتها على تعميق الأزمة الاقتصادية التي وصلت إلى الحضيض بفعل الصراع والتجاذب والتعطيل.

وعن تراجع الدولار الملحوظ في الآونة الأخيرة، يقول المصدر أنه حتى الآن، لم يُفصح مصرف لبنان عن مصدر دولاراته وعما إذا كانت من مصدر واحد أم من عدة مصادر، وهذا ما يُثير العديد من التساؤلات حول قدرة المركزي على الاستمرار بهذه العملية طويلاً خصوصاً أن محاولاته غالباً ما تكون قصيرة المدى وتفتقر إلى الاستمرارية لأنها غير مبنية على خطة نقدية شاملة، ومشيراً إلى شكوك ومخاوف من أن يكون المركزي قد لجأ مجدداً إلى الاحتياطي الإلزامي وبالتالي استنزاف المزيد من العملة الخضراء. ويتابع المصدر انه على الرغم من وجود عوامل اقتصادية بحتة، إلا أنه بات واضحاً للجميع أن الأجواء السياسية هي التي تتحكم اليوم بسعر صرف الدولار، وإن تعدّدت خلفيات وأسباب قرار الثنائي، تبقى عودة الحكومة إلى الانعقاد الأسبوع المقبل بلا شك جرعةً إيجابيةً ستضفي جواً من الارتياح النسبي وعامل تهدئة سيخفف الضغط على سعر الصرف، وهذا ما يؤكد ضرورة العودة إلى حالة الاستقرار السياسي التي تعيد الثقة إلى الأسواق ‏المالية، إذ لا بديل عن هذه الثقة كنقطة انطلاق من أجل معالجة كافة القضايا الشائكة وعلى رأسها وقف انهيار الليرة، تزامناً مع ضرورة لجم التطبيقات وضرب السوق السوداء والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة كي لا يكون هذا التراجع مجرّد تراجع موقت يسبق عودة الارتفاع الجنوني في حال تكرار الفشل في إضافة أي تغيير جذري على الأداء الاقتصادي والمالي عبر اجتماعات حكومية منتجة وفعالة تمهد الطريق أمام حلول مالية ونقدية جذرية، حينها سيكون من السهل أن يتكرر سيناريو الارتفاع الجنوني من جديد.

شارك المقال