مَن يراجع تاريخ لبنان منذ العام 1943 حتى الآن يكتشف الكثير من الحقائق الاساسية والبسيطة الفهم. ففي السنوات الاولى من الصراع العربي – الاسرائيلي وتحديداً منذ عام 1955 حتى مطلع العام، استفاد لبنان من مشاكل لا بل من “صراعات العرب” وملأ خزينته وجيوب الكثيرين من شعبه وبات يُعرَف بسويسرا الشرق وكاد يلغي اسطورة سويسرا عينها. ومنذ العام 1975 وحتى اواخر العام 1993 دفع لبنان الثمن وخاض عن العرب حروباً أفرغته من جزء كبير من سكانه وكفاءاته بعد ان افرغت مصارفه وجيوب مواطنيه.
على الرغم من محاولات الخروج من النفق المظلم في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي اعطت الامل الحقيقي لشعب هذا البلد ببناء دولة عصرية ولإعادة دور لبنان في المنطقة والعالم إلا ان ذلك كله انتهى بالنهاية الكارثية باغتيال الرئيس الحريري وكانت بداية العودة للتدهور المالي والاقتصادي، إذ تحول لبنان بعد ان كان “سويسرا الشرق” سياحياً ومالياً الى “صومال الشرق الاوسط” غذائياً ومالياً وسياسياً.
هل هذا ما اسمه “قدر الدورات” كما يقول الروسي كوندراتييف الذي يستعين الغرب بنظرياته لتفسير حالات الركود بعد ان شهدت عواصم هذا الغرب الازدهار والتقدم على جميع الأصعدة؟ واذا كان الاقتصاد العالمي يواجه ازمة بنيوية دفعت كبار مفكريه “لإبتداع وايجاد” بنى جديدة لمواجهة القرن الحادي والعشرين فماذا عسانا نقول ونفعل نحن في لبنان؟ وما هي الرؤية الجديدة والاستراتيجيات المدروسة لنستطيع الصمود ونتفادى الانقراض جوعاً او يأساً؟
هناك اربعة أسس يفترض بواضعي خطة التعافي الاقتصادي في حكومة النابغة الميقاتي تجاوزها لا بل نسيانها كلياً اذا امكن:
1- قطاع الخدمات الذي كان العامود الفقري للاقتصاد اللبناني لسنوات وسنوات فهذا القطاع ذو طابع “سمسري” اصبحت علومه وفنونه في متناول جميع الدول العربية، في حين انكفأ لبنان وتقوقع في ما يشبه المزرعة السائبة.
2- قطاع التعليم حين كان لبنان السَبّاق فيه ولأكثر من مئة سنة الى أن تغيّر العصر وتغيرت علومه واصاب هذا القطاع جمود اصبح فيه لبنان متخلفاً عن العصر لأكثر من خمسين عاماً. ناهيك عما جرى مؤخراً من فضيحة بيع الشهادات للطلاب العراقيين وغيرهم والتحقيق في هذا الموضوع لا يزال مستمراً وسيبقى وقد نشهد القرار الظني في انفجار المرفأ قبل انتهاء التحقيق في الشهادات الجامعية المزورة…
3- السياحة او الدور السياحي والذي انقرض وأُزيلت معالمه وادواته وخاصة البشرية وما زال لبنان ينظر الى السياحة على اساس عدد وكمية الغرف في الفنادق. بينما العالم المتقدم كله يرى السياحة من زوايا مختلفة: التلوث ونسبته، نوع الطرقات وحجم السيارات، عدد الحدائق العامة والغابات، نسبة المساحات الخضراء من الطبيعة وفي هذا المجال سقط لبنان من المراتب الاولى الى ما دون المرتبة مئة وخمسين كي لا نقول اكثر ونتجاوز عدد بلدان العالم!
4- الطبابة والاستشفاء: كان لبنان اشبه بمصح “الشرق الاوسط” لما كان فيه من تقدم في وسائل العلاج ووفرة الاطباء الاختصاصيين الذين ذاع صيتهم وسمعتهم الطبية خارج حدود لبنان الى كافة الدول العربية وحتى الغربية. فماذا بقي من هذا الآن؟
هذه الأعمدة الاربعة لشهرة لبنان ومجده كلها انقرضت او على طريق الانقراض، ثم يأتي الاجتماع المنتظر لمجلس الوزراء ليناقش خطة التعافي الاقتصادي! ليتكم تعفّوا عنّا فنتعافى والناس لن تعفو عنكم…