فيينا: بين تعقيدات الاتفاق ومخاطر الخطط البديلة

حسناء بو حرفوش

على الرغم من أن الاتفاق النووي قد لا يمثل الحل القوي والشامل كما كان مأمولا، ما زالت الصفقة مع إيران أفضل على الأرجح من غياب أي اتفاق، حسب مقال على موقع “تشاتام هاوس” (Chatham house).

ووفقا للمقال، “بعد عدد من التأخيرات والخلافات، دخلت المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا جولتها الثامنة. ويبدو أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين بالإضافة إلى إيران، تحرز أخيرا تقدما على المستوى التقني. ويرجع ذلك جزئيا لمساعدة روسيا والصين على إعادة توجيه إيران باتجاه ما اتفق عليه بالفعل، ولقلة جاذبية سيناريوات الخطة “ب” لجميع الأطراف. وبالتزامن مع التقدم البطيء للغاية في المحادثات، تخشى واشنطن وأوروبا من مماطلة إيران لكسب الوقت.

وبالنظر لأن خطة العمل المشتركة الشاملة هي عبارة عن اتفاقية فنية معقدة للغاية وتمتد على مدى 154 صفحة، سيتطلب تضييق الفجوات في قضايا الامتثال وتخفيف العقوبات ومعالجة أوجه القصور وقتا ومساحة وإبتكارا في ظل الظروف العادية، فكيف في هذه الظروف حيث يرفض الوفد الإيراني الاجتماع بفريق بايدن. وفي حين أن الرغبة الكبيرة التي تبديها جميع الأطراف في التوصل لاتفاق، تشير إلى خطوة مهمة إلى الأمام في مواجهة التحديات التي تفرضها إيران، ترزح العملية تحت ضغط مستويات هائلة من عدم الثقة وضيق الوقت وخطر سوء التقدير والمخاطر التصعيدية الأخرى. فإما عقد صفقة وإما إنهاءها إلى الأبد.

ما هي نقاط الخلاف؟

ومن أجل التوصل لصفقة قوية، هناك حاجة لقرارات سياسية مهمة بشأن تخفيف العقوبات والامتثال الإيراني والمطالبة بالضمانات، خصوصا أن عددا من العقوبات لم تدرج كعقوبات نووية لكن صنفت على أنها إرهابية أو تشكل خرقا لحقوق الإنسان. وبينما تطالب إيران برفع جميع العقوبات التي كانت قائمة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من غير المرجح أن ترفع إدارة بايدن العقوبات غير النووية.

ومن الناحية الإيرانية، تأثرت طهران بالانسحاب الأميركي ولذلك تبدي ترددا إزاء العودة إلى الامتثال النووي من دون ضمانات برفع العقوبات الأميركية. كما أن هناك حاجة إلى وضع إطار عمل، بالتزامن مع تراجع إيران عن برنامجها النووي، لمراقبة مخزونها من تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتعزيز الخبرات والمعرفة النووية. ولذلك، يدرج ضمان استعادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية القدرة على مراقبة المنشآت النووية الإيرانية والتحقق منها كأمر أساسي. ومن النقاط الشائكة، طلب إيران الحصول على تأكيدات أن الصفقة ومكافآتها الاقتصادية مضمونة في حالة انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق مجددا.

وبمواجهة تحدي الوقت، يقترح المفاوضون الأميركيون ضرورة تسريع المفاوضات، خصوصا أن نافذة الوقت تضيق بالنسبة لجو بايدن مع تحديد موعد انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني 2022. وتخشى إيران الوقوع في فخ الصفقة الأولى بعد انسحاب ترامب ولذلك تسعى لحماية اقتصادها من جولات أخرى من العقوبات الأميركية. وبالنسبة للرئيس الإيراني، تكتسب قضية خطة العمل الشاملة المشتركة المستدامة أهمية لحماية الاقتصاد الإيراني. ومع ذلك، من غير المرجح أن ينفق بايدن رأس المال السياسي على معاهدة محدودة مع إيران. وهذا يضع مسألة الحماية من الصفقة على عاتق سائر الموقعين الباقين الذين سيتعين عليهم حماية اقتصاديات الصفقة من الإجراءات المحتملة لأي إدارة أميركية مستقبلية.

مخاطر الخطة “ب”

أما في حالة عدم إحراز تقدم سياسي كبير في الأسابيع المقبلة، ستنتقل واشنطن ولندن وأوروبا إلى سيناريوات الخطة “ب”، مع تعويم احتمالية التوصل إلى اتفاق موقت يهدف إلى تجميد برنامج إيران النووي. وامتنعت إيران حتى الآن، عن هذا الاحتمال مشيرة إلى رفضها التخلي عن نفوذها من دون فوائد مقابلة. وتدرس أوروبا والمملكة المتحدة أيضا الكيفية التي قد تؤدي بها العقوبات السريعة والعقوبات الأوروبية إلى زيادة الضغط على طهران، بينما تعتزم واشنطن بناء نفوذها من خلال تنفيذ العقوبات.

وتنبئ الخطة “ب” بمخاطر تصعيد إقليمي ونووي كبير في الأفق. وقد اعترفت (إسرائيل) أخيرا بأن الاتفاق النووي أفضل من بديل غير خاضع للرقابة، ولذلك خففت من تهديدها بالهجوم. ولكن من دون اتفاق ما، ستستأنف الحرب الكلامية بلا شك وستزداد التوترات في جميع أنحاء المنطقة. أما إيران، فسترى من جانبها، في التصعيد فرصة للخروج من أي مأزق، خصوصا أنها قلصت الوقت اللازم لتحقيق اختراق نووي (…) وبالتزامن، قد تواصل الجماعات المدعومة من إيران رعاية هجمات تزعزع الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن الأمثلة على ذلك، الهجوم الأخير بطائرة مسيرة والذي استهدفت من خلاله قوات الحوثي، أبو ظبي. وفي حال لم يتم التوصل لاتفاق، سيبقى التصعيد بلا شك جزءا من قواعد اللعبة التي تتبعها طهران، وستواجه هذه الأخيرة مزيجا خطيرا من الضغط الخارجي والمطالب الداخلية من السكان المحبطين بسبب الشعور بالعزلة”.

شارك المقال