توحيد المعارضة السورية وتيار المستقبل

عالية منصور

في وقت يطالب الخطاب الغربي والعربي الموجه للبنان بضرورة تقوية الدولة، الا ان هذه الدول تتعامل مع لبنان على انه مجموعة طوائف بل وتطالب بالكثير من الاحيان ببلورتها سياسيا وهو ما يعتبر نقيض فكرة الدولة عينها.

منذ سنوات سمعنا بمطلب توحيد “السنّة” اي السياسيين الذين ينتمون للمذهب السنّي؟ وهو ما كنت اراه امراً مثيراً للاستهجان والسخرية، فما الذي يجمع مثلا النائب جهاد الصمد الذي يجاهر ليلا نهارا بولائه لبشار الاسد وحسن نصرالله بالرئيس تمام سلام الا الانتماء المذهبي؟ وما الذي يجمع النائب عبدالرحيم مراد المتفاخر بالخدمات التي يقدمها للمخابرات السورية ولو من خلال الضغط على اللاجئين السوريين في البقاع وبين الرئيس فؤاد السنيورة على سبيل المثال، الا الانتماء المذهبي؟

مطلب توحيد السنّة في لبنان للتصدي لعربدة حزب الله واختطافه للدولة يشبه إلى حد كبير مطلب توحيد المعارضة السورية الذي بدأ يتردد بعد انطلاق الثورة السورية بأشهر قليلة على لسان ديبلوماسيين غربيين وعرب، وحتى بعد تشكيل المجلس الوطني السوري لم يكتفِ المطالبون به بل أصروا على مطلب توحيد المعارضة وضغطوا على المجلس الوطني لتحقيق هذا الهدف الغريب، معتبرين ان شرذمة المعارضة هي المانع اوالعائق امام الدعم الفعلي والحقيقي للثورة السورية.

كنت يومها عضوا بالمجلس الوطني، ولم افهم ما معنى ان تتوحد المعارضة بجسم واحد، وخصوصا بعدما توافقت المعارضة من هم داخل المجلس وخارجه على وثائق واوراق ومشاريع تحدّد رؤيتهم لسوريا ما بعد سقوط النظام، “وثيقة العهد الوطني” ومن ثم وثائق القاهرة، خطوط عريضة لكنها شاملة كنت ارى حينها انها كافية، فليس من حق احد مصادرة رأي المواطنين، لم نكن منتخبين وما كان علينا تحقيق اكثر من ذلك، فكيف لشخص غير منتخب او مكلف من قبل هيئة غير منتخبة ان يكتب دستورا على سبيل المثال لبلاد قامت بثورة ضد من هو غير منتخب؟ وبقي مصطلح توحيد المعارضة يتمدّد وتتمدّد معه المعارضة التي رضخت للضغوط الدولية وخصوصا بعدما جارتها ضغوط داخلية، ان من قبل السوريين او من قبل بعض مكوناتها، وانتهى امر “توحيد المعارضة” بأن اصبحنا امام اجسام هلامية أشخاصها ليسوا اكثر من موظفين يتم تعيينهم من قبل اجهزة بعض الدول ويمشون بنصائح من عينهم.

على كل ليس حديثي الثورة السورية والمعارضة وكيف وصلت الامور الى ما وصلت اليه، لكن مطلب توحيد المعارضة كان فخا او عذرا لتلكؤ الدول في تقديم الدعم الجاد والقادر على التغيير وهذا كان قبل عسكرة الثورة وقبل وجود فصائل مسلحة كل منها لها ممول وداعم تتبع اجندته، أما مطلب توحيد المعارضة السياسية في جسم واحد فلم نسمعه في مصر او ليبيا على سبيل المثال.

لكن كنت كلما سمعت مطلب توحيد السنّة في لبنان اتذكر مطلب توحيد المعارضة، اقله كان هناك مطلب واحد للمعارضة السورية وهو سوريا الديموقراطية، اما على ماذا سيتوحد “السنّة” في لبنان؟ وهل إذا توحد السنّة طائفيا وسياسيا سيستعيد لبنان عافيته كدولة وكوطن أم سيقع في بئر المحاصصات الطائفية والزعائمية بشكل أكثر عمقا؟

المؤسف في الأمر أن من ينتقد سلوك الثنائي الشيعي ومصادرته للدولة، يحاول دفع الآخرين لتقليد هذا النموذج بدلا من محاربته، لقد جرت محاولة تعميم تجربة “الثنائي الشيعي” اي حزب الله وحركة امل مسيحيا، فكان اتفاق معراب، الذي عرِف “باوعا خيك”، ووعد المسيحيين باستعادة حقوقهم، ممن؟ كان المطلوب ثنائيا مسيحيا كما الثنائي الشيعي كما ذكر مرة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

أما على مستوى السنّة فقد حاول الرئيس سعد الحريري مجاراة اصحاب مطلب توحيد السنّة، التقى عددا من النواب والوزراء المنتمين مذهبيا للطائفة السنية وسياسيا لايران ونظام الاسد، ولحسن الحظ انه فشل.

ولحسن الحظ ايضا ان محاولة تحويل التمثيل السياسي الى تمثيل مذهبي اولا قبل ان يكون سياسيا ثانيا او ثالثا فشل، ولكن الفشل تخطى افشال هذا المشروع، فمع المطالبة المستمرة بتحويل العمل السياسي والوطني الى مشروع مبني على اسس مذهبية ودينية، ومع كل ما مورس من ضغوط سياسية ومالية على من قاوم هذه العملية وتحديدا تيار المستقبل، انتهى الامر بنهاية المشروع الوطني او ما ظنّه الكثيرون مشروعا وطنيا يترفع اشخاصه عن الطائفية والاحقاد والمصالح الضيقة، مشروع 14 آذار. وبإضعاف تيار المستقبل لا لتقوية تيار بديل افضل، تحول مشروع “توحيد السنّة” الى شرذمة السنّة، وتحول افرقاء 14 آذار الى مجموعة احزاب وشخصيات مذهبية كل يتحدث باسم طائفته، وان تحدث ابعد من ذلك فلزوم الـshow، الا ان افعالهم تشهد، وبين المعارضة السورية وتيار المستقبل ومشروع 14 آذار، بقي المحور الايراني متماسكا بل يزداد قوة، بينما تهشم الآخرون وهُشِّموا (اي يتم تهشيمهم).

شارك المقال