المباح المتاح!

رامي الريّس

على وقع المصالح العليا للمحاور الإقليميّة، تتحرّك الأذرع التنفيذيّة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وسواها من “الساحات” المستباحة التي قُوّضت فيها الدول المركزيّة عن قصد وعن سابق تصميم وتنفيذ، فتلاشت مقومات البقاء والصمود، وتساقطت الحدود الدنيا من العيش اللائق والكريم من خلال الفشل الذريع في توفير أبسط مقومات الحياة في القرن الحادي والعشرين.

تفجيرات في العراق، إعتداءات في الإمارات العربيّة المتحدة، إنفراجات محدودة في لبنان، مناوشات في سوريا ومناكفات لتحديد مواقع النفوذ والقوى، وسوى ذلك من الخطوات المتباينة في الساحات المختلفة. لكل ساحة حساباتها، ولكل ساحة أهدافها. إلا أنها تصب جميعها في خدمة الراعي الإقليمي. الإعتبار المحلي ليس مهماً، وهو ليس موجوداً أصلاً.

المهم ماذا سيتحقق في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني في فيينا. والأهم هو كيفيّة تسخير كل أحداث تلك الساحات في خدمة هذه المفاوضات تسخيناً أو تبريداً. اللحظة تفرض الإتجاه الغالب، والمصالح العليا أيضاً. أما مصائر الشعوب وأدوارها المصادرة وأوطانها المختطفة، فهي ثانوية.

المنطق السائد هو منطق الاستعلاء. ثمة إزدراء للآخرين. هناك أسياد وكادوا يقولون مقابلهم عبيد. منطق الرقّ ينبعث من جديد، بأثواب جديدة وألفاظ جديدة ومعانٍ جديدة. حركات التحرر من الاستعمار الغربي التي ناضلت في سبيلها شعوب العالم الثالث ودول أفريقيا وآسيا ليست سوى حركات هامشيّة في التاريخ بنظر “الأسياد”. الثورات الدينيّة أكثر إنفتاحاً وهي السبيل لتحقيق الرخاء والرفاهيّة للشعوب. الأمثلة من التاريخ القديم والحاضر عديدة…

يستطيع الأسياد أن يفرضوا إرادتهم. يؤدبون هذا ويُسكتون ذاك. يتحالفون مع هذا ويُنزلون القصاص بذاك. وأشكال القصاص وأنواعه أيضاً متفاوتة. لا تدعوا مخيلتكم توقفكم أمام أي حدود. المباح متاح من دون رادع أو من يردعون.

في نهاية المطاف، حريّة الشعوب مصادرة، ومستقبلهم مصادر -حتى إشعار آخر- لا يبدو أن موعد أجله بات قريباً أو في المدى المنظور. أجيال تلو الأجيال سوف تعاني من منطق الأسياد والعبيد في القرن الحادي والعشرين.

ثمة قول هام لكبير الفلاسفة أفلاطون: “نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر”.

سنبقى نفكر، ولن نتحوّل إلى عبيد…

شارك المقال