الحرب العالمية الثالثة!

محمد شمس الدين

اغتيال ولي عهد النمسا فرنسوا فيرديناند، ربما هو أكثر درس حفظناه في مادة التاريخ في المرحلة المتوسطة، كمسبب للحرب العالمية الأولى، وأن تبعات هذه الحرب ومعاهدة جنيف كانتا سببا باشعال الحرب العالمية الثانية. ونذكر أيضا المأساة التي أدت إلى نهاية الحرب بعد استعمال السلاح النووي في هيروشيما وناغازاكي، وعلى الرغم من حصول العديد من الصراعات في العالم منذ عام 1945 حتى اليوم، إلا أن العالم لم يشهد حربا عالمية ثالثة، مع اقترابه منها في عدة حوادث، مثل أزمة الصواريخ الكوبية. لكن اليوم يبدو أن الحرب ليست بعيدة، وهناك عدة مناطق ساخنة في العالم قد تسبّب حربا عالمية، فمن أين ستنطلق الرصاصة الأولى؟

تركيا

تركيا، البلد الحليف للناتو منذ عقود، لكن في آخر عقدين يبدو أن هذا الالتزام قد اهتز بشكل كبير، بعد أن أعلنت تركيا أن عدة جزر في البحر المتوسط تابعة لها بينما هي تحت السيادة اليونانية، وعلى الرغم من تجنب الاقتتال حتى الآن، إلا أنه حصلت عدة مناوشات إذ اعترضت القوات الجوية اليونانية مقاتلات جوية تركية عدة مرات. أما أبرز مناوشة فكانت عندما أرسلت تركيا مجموعة صغيرة من السفن الحربية لترافق باخرة تنقيب عن النفط والغاز في مياه متنازع عليها، الأمر الذي كاد يؤدي إلى إطلاق نار متبادل بين القوات البحرية للبلدين. كل هذا كان يحصل وسط صمت الإدارة الأميركية للرئيس السابق دونالد ترامب، التي اهتزت علاقتها مع تركيا بعد الحادثة الشهيرة التي اعتبرت واحدة من أكبر الخيانات في التاريخ، عندما أعطى ترامب الضوء الأخضر لأردوغان، لضرب الأكراد المدعومين أميركيا، وعندما تسببت هذه الحادثة بردود فعل في أميركا تراجع ترامب وهدد بفرض عقوبات على تركيا. عندها، هدد أردوغان بالحجز على الأسلحة النووية الأميركية الموجودة في قاعدة انجيرليك الأميركية في تركيا، الأمر الذي سيجبر أميركا على الرد بكل قوتها العسكرية، وهذا قد يؤدي إلى انشقاقات في حلف الناتو. وبما أن تركيا تتقرب من روسيا في آخر فترة، قد يعتبرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة لإضعاف أميركا في أوروبا، إذا ما اعتبر أن عدة دول أوروبية لا تدعم مغامرة أميركية ضد تركيا.

إيران – إسرائيل

تقترب إيران أكثر فأكثر من امتلاك السلاح النووي، الأمر الذي يعتبره العدو الاسرائيلي تهديدا لأمنه القومي، وتهدد اسرائيل بأنها لن تسمح بإيران نووية، وستشنّ ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية. وتقوم اسرائيل من فترة إلى أخرى بضرب مواقع تابعة لإيران خارج الأراضي الإيرانية، وتحديدا في سوريا، بينما تعزز إيران قوتها عبر دعم ميليشيات معادية لاسرائيل وتشكيل عدة محاور محيطة لها، من العراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى داخل فلسطين المحتلة. ولإيران اليوم قدرة أكبر على المناورة، لكون أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ألغى الاتفاق النووي مع إيران، مما سمح لها بالتمدد والتوسع، لدرجة أنها ليست بحاجة فعليا إلى سلاح نووي لمحاربة اسرائيل، لأن أدواتها تحيط بها من عدة دول. وبما أن اسرائيل هي أشبه بقاعدة أميركية متقدمة في المنطقة، لن تقبل أميركا بمقعد المتفرج في حال اندلاع الحرب. في المقابل، تحظى إيران بدعم روسي – صيني، فان اعتبرتا أن مصلحتهما تقتضي مساندة إيران عسكريا قد تدخلان الحرب إلى جانبها، وبذلك قد تشتعل حرب إقليمية جديدة تمتد لتصبح عالمية.

كشمير

الصدام الدائم هو عنوان العلاقة الهندية – الباكستانية، فمنذ تأسيس الدولتين لطالما تقاتلا على إقليم كشمير، وما زاد الأمور سوءا هي الحرب الصينية – الهندية عام 1962، حين استولت الصين على أجزاء من كشمير.

الهند وباكستان خاضتا 3 حروب من أجل كشمير والخلافات مستعرة بين البلدين، وفي السنوات الأخيرة تقربت الدولتان من القوى العظمى، باكستان باتجاه الصين، والهند باتجاه أميركا، وأي حرب بينهما قد تدفع أكبر دولتين إلى المساندة فتندلع الحرب بينهما أيضا. في بداية الـ2020 بدت الحرب حتمية، إذ بدأ الجنود الصينيين قضم بعض الأراضي الحدودية مع الهند، الأمر الذي أدى إلى اشتباك غير مسلح بين العناصر الهندية والصينية، مما أدى إلى وقوع 72 جريحا هنديا، وعدد غير معلوم من الجرحى في الصفوف الصينية. عندها بدأت الصين بناء التحصينات ومهابط للمروحيات، وزادت من عدد جنودها في المنطقة، وفي محاولة لمنع الحرب الشاملة وافق الطرفان على استعمال الأسلحة النارية فقط في حال تم إطلاق النار عليهم أولا، لكن هذا أدى إلى العودة إلى العصور الوسطى، إذ بدأ الجنود يتسلحون بالمضارب والعصي الحديدية وشتى أنواع الأسلحة اليدوية. واندلع في حزيران 2021 اشتباك بين 600 عسكري، أدى إلى مقتل 20 جنديا هنديا، وعدد غير معروف من الجنود الصينيين، فيما قدرت الاستخبارات الأميركية أن 35 جنديا صينيا قد قتلوا أو أُصيبوا إصابة بليغة خلال هذا الاشتباك. هذه الحادثة تسبّبت بإلغاء الاتفاق بين الطرفين حول استعمال الأسلحة، وفي حال حصول حوادث مشابهة في المستقبل ستكون بالأسلحة المتقدمة، مما قد يؤدي إلى حرب شاملة بين البلدين، الأمر الذي قد تراه باكستان فرصة للهجوم على الهند وإشغالها بحرب على جبهتين. وحتى لو لم تتدخل أميركا التي من المؤكد أنها لن تكتفي بالمشاهدة، ستكون الحرب بين 3 قوى نووية.

الكوريتان

تعارض كوريا الشمالية نزع سلاحها النووي، إذ تعتبره الرادع الوحيد ضد أي غزو من أميركا وحلفائها، في حال قررت الأخيرة إطاحة النظام، كما فعلت في ليبيا والعراق وأفغانستان، لذلك تستمر كوريا بتطوير أسلحتها واختبار الصواريخ، الأمر الذي أغضب اليابان، التي تسقط الصواريخ قرب حدودها. إذا رأت الأخيرة أن كوريا تهدد أمنها القومي، فقد تقوم باستهداف منصات الصواريخ في كوريا الشمالية، وعندها قد تندلع الحرب، وتنجرّ أميركا إليها لحماية حليفتيها، اليابان وكوريا الجنوبية. لكن النظام الكوري الشمالي لا يخاف من التهديدات الأميركية والغربية، لأنه يعلم أن الصين لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال حصول أي اعتداء يغير المعادلة قرب حدودها، والأخيرة لن ترضى بكوريا موحدة تُحكم من الجنوب المؤيد لأميركا، بل تعتبره تهديدا لأمنها القومي، لذلك إن اندلاع أي حرب، قد يجر! القوى العظمى إليها وتندلع حرب عالمية.

تايوان

المنطقة التي من المرجح أن تكون السبب باندلاع حرب عالمية، فإن أزمة تايوان وتّرت العلاقات الأميركية – الصينية لسنوات، والتطورات الأخيرة تسببت بأزمة شبيهة بأزمة مضيق تايوان أواخر التسعينيات. حين هنأ الرئيس التايواني نظيره الاميركي ترامب بالرئاسة، أغضب الصين التي هددت بالحرب في حال اعترفت أي دولة باستقلال تايوان. تاريخيا كان الرؤساء الأميركيين يتجنبون مثل هذه الاتصالات لعدم إغضاب الصين، لكن في عهد ترامب ناقشت أميركا وتايوان صفقات سلاح، تحصل فيها الأخيرة على أسلحة متطورة، وتدرس أميركا أيضا، نشر قواعد لجنودها في تايوان، مع دوريات منتظمة للبحرية الأميركية. كل هذا إضافة إلى صفقة بناء معمل رقاقات في أميركا تديره شركة تايوانية، بالتزامن مع حظر حصول شركة “هواوي” الصينية على هذه التكنولوجيا، مما أدى إلى استفزاز الصين، التي بدأت تطوير أسلحتها بعيدة المدى لطرد أميركا من بحر الصين الجنوبي. ويعتبر الحزب الشيوعي الصيني أن إعادة تايوان إلى كنف الجمهورية أمر استراتيجي وسيادي، وان الفشل في تحقيق ذلك قد يضعف نظرة العالم إلى الصين، لذلك قد تتجه الاخيرة إلى الحل العسكري، الأمر الذي سيجر أميركا وحلفاءها إلى الحرب.

شارك المقال