سفير لبنان في موسكو لـ”لبنان الكبير”: إهتمام روسيا بلبنان يرتبط بإستقرار المنطقة

عبدالله ملاعب

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن السياسية الخارجية الروسية تجاه لبنان. مقالات وتحليلات وآراء متعددة لكتاب وصحافيين وباحثين من مختلف الإنتماءات السياسية تكتب عن الأجندة الروسية في لبنان والعلاقة التي تجمع بيروت وموسكو. وفي هذا السياق، ثمة جهات سياسية تنشط على خط تضخيم الدور الروسي في لبنان او إظهاره في قالب بعيد عن واقعه وذلك لأسباب سياسية مرتبطة بصراع المحاور ومشاريع إقليمية.

في هذا السياق، يشرح سفير لبنان لدى روسيا الإتحادية شوقي بو نصّار، في مقابلة مع “لبنان الكبير” طبيعة العلاقة اللبنانية – الروسية والسياسة الروسية تجاه لبنان بحكم موقعه الديبلوماسي وعلاقاته المتينة مع القيادات الروسية. يتحدث بو نصار الذي عُيّن سفيرا للبنان في روسيا عام 2013 عن عمق العلاقات اللبنانية – الروسية والتي يصفها “بالمتجذرة في التاريخ “إذ أنها تعود الى القرن الثامن عشر حين كانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية ترسل إرساليات إلى الشرق الأوسط وتقدم مساعدات الى لبنان ولاسيما أبناء الطائفة الأرثوذكسية. وقد بنت هذه الإرساليات في لبنان عدّة مدارس بلغ عددها الأربعين”.

على الصعيد الرسمي، يقول بو نصار: “إن العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والإتحاد السوفياتي بدأت في الرابع من آب 1944 وكانت على مستوى وزراء مفوضين وتم رفعها لمستوى سفراء عام 1956 وكان أول سفير للبنان في روسيا الشيخ خليل تقي الدين”.

وضعت العلاقة اللبنانية – الروسية على السكة الصحيحة منذ ذلك التاريخ، حسب بو نصار، لكنّها تطورت ببطء بسبب الإنقسام السياسي والحرب الباردة إذ كان لبنان أقرب إلى الغرب منه إلى الدول الشيوعية. وبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي كان لبنان من أوائل الدول التي اعترفت بروسيا الإتحادية كوريث للإتحاد السوفياتي بعد سقوط الأخير عام 1991.

ويوضح بو نصّار لـ”لبنان الكبير”: “منذ توليت مهامي في موسكو في شباط 2013 حرصت على تمتين العلاقات اللبنانية – الروسية بالتعاون مع الزملاء الروس على كل الأصعدة حتى العسكرية منها التي لم تتطور كغيرها من الجوانب لأسباب متعددة”. يتحدث بو نصار عن التقدم على الصعيدين الثقافي والروحي فإلى جانب المنح التعليمية العديدة التي تقدمها روسيا الى لبنان عبر مركزها الثقافي، شهدت موسكو زيارات روحية عديدة ذات رمزية هامة. وعلى رأس هذه الزيارة تأتي زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى موسكو عام 2013 التي تتمثل رمزيتها بكسر الانقسام الحاد بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية إذ كان حينها البطريرك الراعي أول بطريرك كاثوليكي يتلقى دعوة رسمية من بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل الأول.

وفي السياسة، يقول بو نصار: “تهتم روسيا باستقرار لبنان وتعتبر أن تهدئة الساحة اللبنانية مهمة جدا فبلدنا هشً بنظر روسيا وذلك بسبب الحروب الطائفية وتفاقم النزاعات فيه الى اليوم”. يتحدث بو نصار عن أولويات روسيا في المنطقة والمتمثلة بالملف السوري حيث المصالح الكبرى. وفي هذا الإطار، يشير بو نصار إلى رغبة روسيا بقيام تسوية شاملة في المنطقة إذ إن الروس يعتبرون إنفلات المنطقة أمر خطير ولا سيما بوجود قواعد روسية في سوريا.

وعن هذه الرغبة الروسية بإيجاد تسوية شاملة في المنطقة والتي عبرت عنها الخارجية الروسية بوضوح في بيانها الذي أصدرته عقب اجتماع وزير خارجيتها سيرغي لافروف ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، يقول بو نصّار: “لا تستطيع روسيا القيام بتسوية إقليمية بمفردها لأن هذا الأمر يتطلب جهودا دولية مشتركة”.

يتحدث بو نصار عن مركزية الملف السوري بالنسبة لروسيا ويؤكد أن لا تسوية في سوريا من دون توافق موسكو وواشنطن فلا حل سياسيا في سوريا من دون موافقة موسكو ولا قدرة لأي قوى على حل الأزمة السورية وتبعاتها بمفردها، فهذا الملف، حسب بو نصار، “يتطلب تضافر جهود كل القوى لا سيما في أزمة النازحين التي لا تستطيع روسيا حلها بمفردها بل تحتاج إلى الغرب ودول الخليج”.

يشير بو نصار في حديثه إلى واقع السياسة الخارجية الروسية تجاه لبنان والتي تأتي ضمن سياسة خارجية أشمل وأهم مرتبطة بسوريا. فعلى الرغم من اهتمام موسكو باستقرار لبنان وأمنه وأمانه إلا أنها تنظر إليه من البوابة السورية. وفي هذا الإطار يقول بو نصار أن ثمة زيارة مرتقبة للوزير لافروف والمبعوث بوغدانوف إلى لبنان الشهر المقبل إن لم يشهد الملف الروسي – الأوكراني مزيدا من التعقيدات.

وفي وقت يكثر فيه الكلام عن خطط ومشاريع إقتصادية لروسيا في لبنان، يقول بو نصار: “إن كل ما يروج له عن قرار روسي في الدخول اقتصاديا الى لبنان ليس صحيحا”. وهذا ما يستنتجه من تواصله الدائم مع بوغدانوف. فحسب بو نصار، ليس هناك أي مشروع اقتصادي روسي في لبنان إلا مشروع مصفاة طرابلس “المشروع الحقيقي الوحيد”. ويؤكد في هذا الإطار أن ما يُروجّ له منذ عام 2021 عن إستثمارات روسية في لبنان بقيمة مليار و200 مليون دولار لا يمت للحقيقة بصلة ويتحدث عن شركات وهمية تنشط على هذا الخط، مع الإشارة إلى تمنيه الشخصي لو أن هذا الكلام كان صحيحا. ويقول بو نصار إنه سأل بوغدانوف عن هذا الكلام وكان رد الأخير وقتذاك “وكأننا أنا وأنت لسنا موجودين هنا في موسكو”.

في الختام، تجتمع القيادة الروسية مع معظم القوى السياسية اللبنانية التي ترى فيها قدرة على ضبط الشارع اللبناني وبالتالي صون حد أدنى من الإستقرار في لبنان والمنطقة. ومن هنا تأتي العلاقة المميزة التي تجمع روسيا بكل من حليفها التاريخي وليد جنبلاط ورمز الإعتدال السني سعد الحريري الذي دعمته طوال فترة حياته السياسية التي علّقها مطلع هذا الأسبوع، ليبقى السؤال عن القراءة الروسية للمتغيرات المستجدة على الساحة السياسية اللبنانية مع العلم أن أوساط مطلعة على الملف أشارت إلى أن روسيا كانت تفضل عدم إعتكاف الحريري عن الساحة السياسية اللبنانية. أمرٌ ستوضحه الأيام والأسابيع المقبلة من خلال تصريحات روسية رسمية لاسيّما ان سمحت الظروف لوزير خارجية روسيا لافروف بزيارة لبنان في شباط. فاعتكاف الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي يحمل تبعات من شأنها أن تطال ملف التطرف الذي تتصدر معالجته سلم أولويات السياسة الخارجية الروسية.

شارك المقال