غالاغر إلى لبنان… إنقاذاً للصيغة والشرعيتين العربية والدولية

هيام طوق
هيام طوق

يكاد لا يمر مناسبة الا ويعرب البابا فرنسيس عن اهتمامه بلبنان وشعبه، ويكاد لا يتواصل مع أي من القادة على مستوى العالم إلا ويبحث معهم الوضع اللبناني، ويحثهم على مساعدة بلاد الارز للخروج من أزماته المتوالية والتي تهدد ” بلد الرسالة”، والتعايش والمثال الذي يحتذى به، والفريد بتنوعه بين دول المنطقة، والمهدّد بالزوال بسبب الصراعات السياسية والانقسامات بين مكوّناته الذين حولوا بلد الرسالة الى العالم أجمع، الى صندوق بريد تتطاير رسائله على طاولات التفاوض، وشلّعت المصالح الاقليمية والتجاذبات الدولية، جسده المنهك، وشرعت أبوابه أمام الرياح العاتية والقاسية التي تكاد تجرف معها الحجر والبشر.

كل زائر يزور الفاتيكان يشدّد على الاهتمام الكبير الذي يوليه البابا لهذا البلد الصغير بمساحته الجغرافية والكبير بعمقه التاريخي، ويعرب عن قلقه حين يقول: “عندما أفكر في لبنان، أشعر بقلق شديد للأزمة التي يواجهها، وأشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم”.

ولعل زيارة الموفد البابوي، وزير خارجية الفاتيكان المونسينيور بول ريتشارد غالاغر الى لبنان في الاول من شباط المقبل خير دليل على اهتمام الكرسي الرسولي بلبنان، وتأكيدا منه انه “لن يتركه يتخبط في أزماته وان مساعيه مستمرة لتحقيق الأمن والسلام والطمأنينة، ولن يتوقف عن حث المسؤولين على القيام بواجباتهم، بعيدا عن الغايات الذاتية والمصالح الضيقة، وحث الخارج على إبعاد لبنان عن محاور النزاعات واتاحة الفرصة للتعافي”.

وفي وقت تُوضع فيه اللمسات الأخيرة تحضيرا لاستقبال أعلى مسؤول في الكرسي الرسولي بعد البابا، يشير مصدر مطلع لـ”لبنان الكبير” الى ان غالاغر سيلتقي كبار المسؤولين الرسميين ومرجعيات روحية ومنها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لكنه يستثني الاحزاب والتيارات السياسية، ويحمل معه أكثر من رسالة للمسؤولين، ومنها: التشديد على الخطوات الاصلاحية، وإجراء الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها، وأهمية الحوار الاسلامي – المسيحي، والحفاظ على صيغة التعايش ونبذ العنف والتطرف حيث ان الزائر الفاتيكاني سيرفع تقريره الى البابا فرنسيس بعد انتهاء زيارته، يتحدث فيه عن نتائج جولته على المسؤولين وانطباعه عن الوضع اللبناني.

وفي حين ينكر المصدر ان تكون زيارة غالاغر تحضيرا لزيارة الحبر الاعظم للبنان لأن الظروف غير مواتية على الرغم من ان البابا أعلن أكثر من مرة انه يرغب بالقيام بهذه الزيارة، هناك محطة هامة في جدول مواعيد الموفد البابوي تتمثل بمؤتمر تستضيفه جامعة الروح القدس في الكسليك، يومي الأربعاء والخميس في 2 و3 شباط، بعنوان “البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة”، بمشاركة فاعليات لبنانية وعربية ودولية. ويهدف المؤتمر الى الاضاءة على الجهود التي يبذلها الفاتيكان بإشراف البابا فرنسيس من اجل اعادة الاعتبار للرسالة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني “لبنان اكبر من وطن انه رسالة”.

ويتخلل المؤتمر جلسات عدة تتمحور حول “المسار التاريخي”، “العلاقات المسيحية – الاسلامية في الحالة اللبنانية”، “العيش المشترك والدولة والمجتمع”، “التربية والثقافة والحريات”، و”إعلان أبو ظبي ورسالة لبنان”.

الصّائغ: الرسالة واضحة بالعودة للدستور

لفت المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ إلى ان “الزيارة ليست رسمية بل هي دعوة إلى المشاركة في مؤتمر أرفض التعليق عليه والتحدث عنه”، مشددا على ان “الفاتيكان لديه ثوابت في تعاطيه مع لبنان، وهذه الثوابت تقوم أولا على ان لبنان لديه هوية فريدة في العالم من منطلق التعددية التي يحتضنها المجتمع اللبناني خصوصا في المكونات الروحية. ثانيا، فرادة لبنان في انه واحة حريات وحقوق انسان في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي. ثالثا، لبنان جسر بين الشرق والغرب وهو عامل استقرار في السلم والامن الاقليمي والدولي”.

وتابع: “في الوقت عينه، الفاتيكان يستشعر في السنوات الأخيرة انقضاضا على هذه الميزات الحضارية للبنان وتدميرا منهجيا لهويته. من هنا قال البابا فرنسيس في ايلول 2020 ان لبنان في خطر داهم، وتحدث عن حقوق للمواطنات والمواطنين اللبنانيين، ولم يتحدث عن خطر على أي طائفة في لبنان. هو معني بكل لبنان لأنه ينظر إلى لبنان انطلاقا من هذه الميزة الحضارية”.

وأشار إلى ان “الديبلوماسية الفاتيكانية التي يمثلها المطران غالاغر قالت وستقول كل التوجهات التي يحملها العالم العربي والمجتمع الدولي للبنان. أولها، ضرورة حياد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية، ضرورة بسط نفوذ الدولة على كامل أراضيها بما يعني استعادة الشرعية اللبنانية، ضرورة تطبيق الدستور لأننا في حالة انقلابية على الدستور الذي يتحدث في مادته 95 عن ان لبنان يجب ان يتجه إلى الغاء الطائفية مما يؤكد ان دستوره مدني، والذهاب باتجاه المواطنة، وهذا يحمله البابا فرنسيس والديبلوماسية الفاتيكانية في العالم. وما يهم الفاتيكان أيضا هو الحفاظ على صيغة لبنان في العيش الواحد مع تطبيق ما ورد في اتفاق الطائف حول اللامركزية الادارية بما يعني ان الفاتيكان غير معني بكل ما يُشاع عن ان هناك توجها لإنهاء الصيغة اللبنانية في العيش الواحد وتكريس حالة فيدرالية الطوائف لكن الفاتيكان أيضا لن يقبل بأن يكون لبنان ضحية لايديولوجيا غير لبنانية وتحويله ضحية لجريمة منظمة تهجر شعبه يوميا”.

وأوضح ان “الموفد الفاتيكاني سيستعيد مضمون الارشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” الذي صدر بعد سينودوس خاص بلبنان، والذي يتحدث عن ان لبنان يجب ان يلتزم القضايا العربية في لحظة انخراط لبنانيين بأجندة غير لبنانية وغير عربية. وستكون الرسالة واضحة بعودة لبنان إلى الشرعية العربية وإلى الشرعية الدولية. الديبلوماسية الفاتيكانية لا تتعاطى في السياسة بل في السياسات العامة لصون القضية اللبنانية والهوية اللبنانية والشخصية اللبنانية”.

ورأى انه “قد يكون هناك استثمار سياسي في اللقاءات التي سيقوم بها المطران غالاغر لمحاولة القول ان الفاتيكان يدعم طرفا في مواجهة طرف آخر لكن هذا الاستثمار شعبوي ومريض سيكون عاجزا عن فهم طبيعة الديبلوماسية الفاتيكانية الاخلاقية والمنزّهة عن كل اعتبارات سياسية رخيصة، وهي ملتزمة في العمل السياسي من باب ارتباط هذا العمل السياسي بالخير العام”.

ولفت إلى ان “الديبلوماسية الفاتيكانية قالت كلاما واضحا أنها تدعم طموحات الشعب اللبناني في التغيير. بهذا المعنى، احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية ومنها الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي، ضرورة احترام حق الشعب بممارسة الديموقراطية النزيهة والفاعلة لاعادة تكوين السلطة واسترداد الدولة”.

وشدد الصائغ على ان “المطران غالاغر الذي هو وجه الديبلوماسية الفاتيكانية سيحمل حتما رسائل واضحة مرتبطة بالقضية اللبنانية التي تتعرض لعملية انقضاض هائلة على كل المستويات خصوصا في القطاعات التي تميز بها لبنان وتحديدا القطاع التربوي والصحي والثقافي. الفاتيكان معني بإعادة انتاج الشخصية اللبنانية على قاعدة النزاهة والشفافية واعادة هيكلة السياسة في لبنان على قاعدة النزاهة والكفاءة والحوكمة السليمة والسياسات العامة المستدامة المعنية ببناء السلام انطلاقا من صون كرامة الانسان والحفاظ على التماسك المجتمعي ضمن التعددية”.

شارك المقال