وليد جنبلاط والكيان اللبناني والسنّية الوطنية

عبدالله ملاعب

يوم أعلن الرئيس سعد الحريري تعليق عمله وعمل تياره السياسي والعزوف عن مشاركتهما بالإستحقاق النيابي المرتقب في 15 أيار 2022، كان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أول المعلقين على هذا القرار الذي لم تشهد الساحة السياسية اللبنانية مثيلا له من قبل، معتبرا أن الوطن تيتم والمختارة باتت وحيدة وحزينة. تصريح جنبلاط هذا فسّره في إطلالته التلفزيونية الأخيرة ليل الخميس إذ أعلن أنه وسعد الحريري واجها الهيمنة الإيرانية سلميا ولا أحد يستطيع أن يرث الخط الحريري في السياسة، مؤكدا المضي قدما في مواجهة الهيمنة الإيرانية بالطرق السلمية فليس كل اللبنانيين إيرانيين ولبنان لا يجب أن يكون منصة صواريخ إيرانية حسب جنبلاط الذي أعاد التذكير بأهمية الكيان اللبناني وضرورة المحافظة عليه على الرغم مما أسماه بالتخلي العربي عن لبنان بسبب هجوم حزب الله على العرب.

في هذا السياق، تقول مصادر قيادية في الحزب التقدمي الإشتراكي “إن وليد جنبلاط لا يدعي قدرته على مواجهة إيران وتمدّد نفوذها بمفرده في وقت تعجز دول كبرى عن خوض مواجهة مباشرة مع إيران إذ أن هماً لا وهماً يقود جهود جنبلاط للمحافظة على الكيان اللبناني بوجه المحور الإيراني”. وردا على سؤال حول العلاقة بين التقدمي والقوات اللبنانية لا سيما أن جنبلاط ربط المواجهة السلمية بالحريري دون غيره، يقول الإشتراكي “إن ثمة بعض الخلافات في إستراتيجية العمل والمواجهة بيننا وبين القوات اللبنانية مع تطابق رؤيتنا المتعلقة برفض الهيمنة الايرانية، لكننا لا نتفق معهم في مسار التحدي الشعبي الذي ينتهجونه”. ومن هنا تأتي إشارة جنبلاط الى دور الحريري الذي سبق ومنع أي إنجراف نحو العصبيات والحرب الأهلية. في هذا الاطار، يحذر التقدمي من أي محاولة لشخصيات خارج الشارع السنّي لقيادة الطائفة السنّية، مُحتما فشل كل القوى التي تحاول إستمالة وإسترضاء الشارع السنّي وجمهور تيار المستقبل عشية الانتخابات النيابية. وقد برز تعريج جنبلاط في إطلالته الأخيرة على ما أثبته التاريخ اللبناني من إستحالة قيادة الشارع الوطني السنّي من خارج الطائفة السنّية مذكرا بأن لا أحد إستطاع التأثير في الساحة السنّية الوطنية وهو من خارجها إلا كمال جنبلاط مع ياسرعرفات في لحظة إقليمية معينة لن تتكرر حسب وليد جنبلاط الذي أشار الى أن كمال جنبلاط آنذاك لم يكن بمفرده بل كان الى جانب غيره من الشخصيات السياسية السنّية كصائب سلام. في هذا السياق، ينتظر التقدمي الاشتراكي حسب مصادره ما سيفرزه الشارع السنّي من شخصيات يفوضها هو لخوض غمار الانتخابات النيابية التي يعتبرها التقدمي محطة أساسية في طريق تثبيت الكيان اللبناني وإعادة العمل الى المؤسسات التي إنهارت في عهد ميشال عون الذي “حرق دين البلد” حسب جنبلاط.

وتقول مصادر التقدمي لـ”لبنان الكبير” إن سقف الخسارة الانتخابية التي من الممكن أن يمنى بها التقدمي في الانتخابات النيابية المقبلة في ظل غياب تيار المستقبل متمثلة بخسارة مقعدي بيروت الذي يشغله اليوم فيصل الصايغ والبقاع الغربي الذي يشغله وائل أبو فاعور. ومع ذلك يؤكد الاشتراكي أنه لن يتحالف مع رواسب النظام السوري كالوزير عبد الرحيم مراد أو غيره أو مع شخصيات سنّية تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للهيمنة الايرانية أيا كان الظرف أو الأرقام. وبخصوص المقعد السنّي الثاني في إقليم الخروب – الشوف لا يزال الاشتراكي ينتظر قرار نائب تيار المستقبل محمد الحجار الذي لم يبلغ المختارة بموقفه بعد، بل ربط موقفه بتيار المستقبل إذ أعلن أن قراره محكوم بوفائه للرئيس الحريري أولا وإرادة جمهور التيار ثانيا والعلاقة التي تربط الإقليم والحريري بالمختارة وقائدها.

يبدي التقدمي إرتياحه لما صدر عن كل من الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي لجهة عدم مقاطعة الانتخابات النيابية، واضعا ثقته بخيارات الشارع السنّي التي لا بد أن تفرز مرشحين سياديين للانتخابات النيابية. وتشير المعلومات إلى أن التقدمي لن يعلن أسماء مرشحيه رسميا قبل أن تتضح خريطة الترشيحات السنّية لا سيما حيث التقاطع بين الاشتراكيين وتيار المستقبل وهو إذ ينتظر الجهة التي سيخولها جمهور تيار المستقبل قيادة ملف الانتخابات النيابية والنطق بإسمه كمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان أوالرئيس السنيورة أو الرئيس سلام أو غيرهم.

يخاف جنبلاط على الكيان اللبناني الذي تمثل “السنّية الوطنية” مرتكزا أساس من مرتكزاته. ويرى جنبلاط أن ثمة عدة محاولات للداخل والخارج للإنقضاض على الكيان اللبناني وتدميره. ويُذكر المقربون من زعيم المختارة بكلام جنبلاط عشية تشكيل حكومة حسان دياب عام 2019 حين تحدث علنا عن محاولات ضرب الكيان اللبناني ليس فقط عبر ضرب المستشفيات والجامعات العريقة بل أيضا عبر ضرب مؤسسات الدولة والمؤسسات العربية السنّية العريقة التي ذكرها جنبلاط في مقابلته الاخيرة كجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية التي يتخطى عمرها المئة. رسائل عديدة وجهها جنبلاط الى الحلفاء والخصوم في الداخل والخارج أهمها دعوة القيادات العربية لزيارة لبنان وعدم التخلي عنه لأنه “قيمة مضافة”.

شارك المقال