الـ”بريكست” خارج اهتمامات الإتحاد الأوروبي؟

حسناء بو حرفوش

يقف الاتحاد الأوروبي حاليا في مواجهة العديد من الصعوبات، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد لم يعد أهمها، حسب قراءة على موقع صحيفة “ذا غارديان” البريطانية. ووفقا للتحليل، “استوعبت دول الاتحاد الأوروبي، بشكل عام، الصدمة التي نتجت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن في بريطانيا، تعاني التجارة من التذبذب ومن انخفاض في نسب العمليات بالتزامن مع ارتفاع الأسعار. وبعد مرور عامين على دخول البريكست (أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) حيز التنفيذ رسميا، يمكن مراقبة بعض التغييرات في الجانبين.

(…) لقد شكل تفكك المشروع الأوروبي بأكمله الهاجس الأول بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن ذلك لم يحدث، بل على العكس تماما، سجلت زيادة في دعم الاتحاد الأوروبي ونوع من رصّ الصفوف حتى في معظم الدول المشكّكة في الاتحاد. ومن ثم، وقف الاتحاد في مواجهة خطر جديد يتمثل بالانفصال والتفكك في مواجهة خروج بريطانيا منه. لكن مجددا، لم يحدث ذلك. وعلى العكس، قامت جميع البلدان بمنح تفويض قوي للمفوضية الأوروبية ووقفت متحدة ويدا بيد.

أما اليوم، فتبدو السياسة البريطانية منطوية بشكل متزايد على نفسها، ويمكن القول إن الاقتصاد البريطاني أقل تطلعا إلى الخارج مما كان عليه قبل الاستفتاء. وبقيت أسئلة لا حصر لها معلقة بينما انهارت الثقة المتبادلة بين لندن وبروكسل منذ فترة طويلة. وشهد الاتحاد الأوروبي على “دراما” مفاوضات الخروج البريطاني بمشاعر مختلطة. لكن سرعان ما تحول الأسف الأولي إلى الرغبة في الحد من الضرر. وفتحت بعض الفرص الاقتصادية لسد الفجوات التي خلفتها المملكة المتحدة. ومن الواضح أن خروج بريطانيا يحمل خسارة للجميع، لكن الخسارة أكبر بكثير بالنسبة الى المملكة المتحدة مقارنة بأي اقتصاد أوروبي قاري. وقد بدا التأثير السلبي في التجارة كبيرا حتى الآن، بالنسبة الى بريطانيا.

وفي هذا السياق، قدّر مركز الإصلاح الأوروبي مؤخرا أنه كان هناك تأثير سلبي بنسبة 11.2٪ في التجارة نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وانخفضت حصة المملكة المتحدة في التجارة العالمية بنسبة 15٪ أخرى مقارنة بتوقعات ما قبل الاستفتاء. ويمثل تقويم تأثير خروج بريطانيا في الاتحاد الأوروبي تحديا، إذ تأثرت بيانات الاقتصاد الكلي بالصدمة الوبائية. ومع ذلك، يمكن ملاحظة تأثير سلبي ملحوظ في بعض البلدان والقطاعات والشركات عند البحث في تفاصيل التدفقات التجارية. ويعتبر هذا التأثير عميقا بشكل خاص بالنسبة الى صغار المنتجين الذين اعتادوا الوصول إلى سوق واحدة غير محدودة.

أما حاليا، فقد تتسبب الأعمال الورقية الإضافية بإبطاء عمل الشركات التي تفتقر إلى الكتلة الضرورية لاستيعاب التكاليف الثابتة الإضافية للتعامل مع الإجراءات التجارية خارج الاتحاد الأوروبي. وقد يتحسن الوضع بمرور الوقت، لكن بعض الشركات استسلمت بالفعل. وبالتالي، دفع المستهلكون البريطانيون الثمن، بينما دفع المستهلكون في الاتحاد الأوروبي تكاليف أقل بكثير.

وستتّضح صورة أكثر دقة للتكوين الجغرافي والقطاعي بمجرد توزيع أموال الاتحاد الأوروبي لتعويض البلدان عن تأثير خروج بريطانيا. ومنذ العام 2016، تراجع تدفق عمال الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا. وتسارعت هذه العملية العام الماضي، مما تسبب باختلالات كبيرة في مجالات الضيافة والزراعة والنقل والرعاية الصحية، لكن أيضا في بعض الوظائف ذات المؤهلات العالية. أما التأثير المقابل في الاتحاد الأوروبي فترجم بتجمع أكبر للعمالة في بعض البلدان وأقل من هجرة الأدمغة، مما يزيد من البطالة لكن بمرور الوقت قد يصبح ظاهرة إيجابية لناحية العرض. ومرة أخرى، في حين أن التأثير كبير بالنسبة الى المملكة المتحدة، إلا أنه ضعيف للغاية في أوروبا. وعلى الرغم من أن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مدينة لندن ليس مهما بعد، تعرضت إمكانية الحفاظ على مركز مهيمن بلا منازع في الأسواق المالية الأوروبية المتكاملة بشكل متزايد للتهديد. وعلى الهامش، انتقلت فرص العمل المالية في لندن إلى أوروبا بالتزامن مع انتقال بعض الشركات.

وأراد الجناح المشكّك في الاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين أن يوفر خروج بريطانيا مزيدا من الحرية أكثر مما كان يُنظر إليه كقيود غير ضرورية وأعباء بيروقراطية تفرضها بروكسل. هذا بينما كان جناح الأقلية الليبرالية المتطرفة يحلم بسذاجة ببيئة أكثر انفتاحا وخاضعة للتنظيم وضرائب منخفضة لزيادة الديناميكية الاقتصادية وتحويل بريطانيا إلى ملاذ شبيه بسنغافورة. وهذا ما أثار لدى الاتحاد الأوروبي مخاوف من المنافسة غير العادلة من خلال الوصول إلى السوق الموحدة، ولا سيما بالنظر إلى النهج غير المتعاون للمفاوضات الذي اختارته حكومة المملكة المتحدة. ومع ذلك لم تتحقق هذه المخاطر إلى حد كبير وسرعان ما تبددت المخاوف. وتضارب الوهم المتمثل بإعطاء دفعة للاقتصاد البريطاني بتخفيض الضرائب مع الاحتياجات الجديدة للإنفاق العام على الرعاية الصحية ومكافحة أزمة المناخ واستثمارات البنية التحتية والوعود الانتخابية المختلفة. وبدلا من الاختلاف، يبدو أن السياسات في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تتجه الى التشابه بشكل متزايد.

أخيرا، لا بد من الإشارة إلى التأثيرات غير الملموسة. ففي الماضي، اتهمت الحكومة البريطانية بعرقلة المبادرات المختلفة التي تهدف الى تعزيز بنية الاتحاد الأوروبي وتحقيق تكامل اقتصادي وسياسي أقوى. لقد اختارت عدم المشاركة في الخطط التي طورت للتخفيف من تأثير الأزمة المالية والاقتصادية في اليونان والاقتصادات الأخرى. فهل كانت خطة التعافي من الجائحة الطموحة بقيمة 800 مليار يورو ممكنة مع بقاء حكومة المملكة حول الطاولة؟، قد يقول البعض في بروكسل إن ذلك في عداد المستحيلات. وبعد، تتلاشى الآثار الاقتصادية للوباء حتما مع تأثيرات خروج بريطانيا، وبالتالي بمجرد أن تستقر الأمور وتهدأ العاصفة، يمكن تقويم الضرر بشكل صحيح. ويبقى أن فكرة انسحاب بريطانيا، لحسن الحظ، ما عادت في الصدارة في ظل المشاكل العديدة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي حاليا”.

شارك المقال