“قبضايات” على مدّ عينك والنظر

عالية منصور

لم يعرف لبنان بتاريخه أزمة كالأزمة التي تعصف به الآن، والتي غيرت وجهه الى اجل غير مسمى. ولم يعرف لبنان سخفا بالتعاطي السياسي مع الازمات كالسخف الذي نسمعه ونشاهده يوميا. كل يوم يطل علينا بطل يدّعي انه “الزعيم” المنتظر والمخلص للبنان واللبنانيين من كل ازماتهم، لا وبل بعضهم يعدنا بأنه سيخلص المنطقة من الهيمنة الايرانية وهو يجلس خلف مكتبه او في باحة منزله الجبلي.

تستمع اليهم فتظن انك امام شخصية البطل الخارق الكرتونية طبعا. والمؤسف باقوالهم، وهم اصحاب اقوال لا افعال، انهم يظنون المواطنين جمهوراً يصفق للخطابات الحماسية لا عقل له ليفكر بما يسمع.

ثمة من يريد اعتقال وفيق صفا، المسؤول الامني في “حزب الله” ومصادرة سلاح الحزب. كيف؟ متى؟ اين؟ غير مهم، المهم ان هناك فئة ولو قليلة ارتضت ان تنحدر بفكرها وعقلها لتصدق قدرة الرجل العجائبية وتصفق له. هذا الرجل نفسه الذي يسميه مريدوه “القبضاي” كان لفترة ليست بعيدة ممن يكتب الشعر غزلا بحسن نصر الله وسلاحه ويتهم من يهاجم هذا السلاح ويتوعد. يظن “القبضاي” ان الناخب بلا ذاكرة، وانه سيغفر له وقوفه مع “حزب الله” عندما قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، او عندما اجتاح بيروت وجبل لبنان وارهب السكان وقتل مدنيين. بالنسبة لـ”القبضاي” دعوة للقاء مسؤول في دولة اقليمية فاعلة ممزوجة برغبة قاتلة للوصول الى الكرسي كفيلة بأن تنسي اللبنانيين عموما واهل بيروت خصوصا تصفيقه وتأييده للقاتل، قاتل رفيق الحريري وقاتل بيروت.

“قبضاي” من نوع آخر يعدنا بأن يراكم البيانات، بيانا تلوى الآخر ليخلص لبنان من الاحتلال الايراني، ولينهي هيمنة ايران على 4 عواصم عربية. نسي هذا “القبضاي” ان اشكالا بسيطا بين حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” جعلته يناشد الرئيس نبيه بري على الملأ كي لا يقترب الاشكال من قريته، ونسي ما آلت اليه الامور نتيجة تمسكه بكرسي لا سلطة لها، يوم كان ثمة حلم يجمع اللبنانيين.

وهناك من كان من صلب الدولة، صلاحيات وعسكر ونجوم، ولم يقوّ على حماية منزل واحد او حتى مواطن واحد يوم اجتاح “حزب الله” بيروت. لم يقوّ على ادارة بلدية. لكنه وبصوته الادعائي يعدنا بأنه سيتصدى لارهاب “حزب الله” وانه ليس كغيره يقبل بالجلوس مع القتلة. يظن معاليه اننا نسينا احترامه وتقديره لوفيق صفا وصداقته معه على المستوى الشخصي، وهل لشخص كوفيق صفا صداقات شخصية بعيدا عن حزبيته؟ وما هذا الرقي والاحساس المرهف بالتعاطي مع “حزب الله؟ ليتنا شاهدنا هذه الرقة عندما اختلف معاليه مع من كان يوما يدعي انه ينتمي لخطهم السياسي واختلف معهم، لكن يبدو ان الخلاف بوجهات النظر يستحق الجلد، ووفيق صفا يستحق اطيب التحيات معطرة بالورد والاشواق.

نائب سابق حصل على بضع عشرات من الاصوات في الانتخابات الاخيرة، لم ينسَ انه استبعد من اللوائح الانتخابية مرة بسبب التحالفات، يطالعنا بين الفينة والاخرى بقيادة معارك بسيف من ورق. فهو ضد التسويات وحامي الحمى وفي الصفوف الاولى بسيفه وترسه لمقارعة الاعداء، صحيح انه يوم زار سعد الحريري دمشق بصفته والتقى رئيس النظام السوري بشار الاسد، هرول هو وزارها بصفته نائباً سابقاً والتقى ضابطا بنجمة او من دون، ليؤدي فروض الطاعة، علّ النظام السوري ان عاد الى لبنان يأتي به نائبا او وزيرا.

قبضاي من نوع اخر، يتغزل نوابه بـ”حزب الله” تحت قبة البرلمان، يتحدثون عن مناقبية وزراء الحزب على الاعلام المحلي، ويشنون حربا ضروسا ضد الحزب في الاعلام. يبدو ان ثمة من قال لهم ان من يتابع هذا لا يقرأ ذاك والعكس صحيح.

شعارات وخطب وبطولات “على مد عينك والنظر”، حتى يخال المرء انه في اليوم التالي بعد الانتخابات سيكون “حزب الله” مجردا من سلاحه، وسعر الدولار 1500 ليرة لبنانية او اقل، ولبنان جنة الله على الارض. شعارات ان سألت عن آلية تحويلها الى فعل وسبل تطبيقها، لاتهموك فورا بأنك متواطئ مع المتواطئين.

اعان الله لبنان وشعبه، فكأن ما كان ينقصهم فوق كل المصائب التي حلت بهم هو هذا السخف والشره نحو السلطة والجشع نحو المنصب.

شارك المقال