العدالة ومحاسبة القتلة صرخة في ذكرى اغتيال لقمان سليم

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

تجمع أصدقاء لقمان سليم وأهله ومحبوه في دارته في حارة حريك، في الذكرى الأولى لاغتياله. جاؤوا مستمدين من روحه القوة والجرأة على التحدي وقول الأمور بوضوح من دون حاجة الى اللف والدوران، سلاحهم كلمة حق لا بد أن تقال في وجه جائر، وفكرة شجاعة لا يجرؤ إلا رجل حر على البوح بها، يعرف كيف يحاور ويجاهر بقول الحقيقة والمواجهة بــ”صفر خوف”، وهو شعار ردّده أحرار لبنان في وجه كواتم الصوت الجبانة التي اغتالت رموزا من مفكري لبنان وناشطيه في المجتمع المدني وفي الثورة الطامحين إلى تغيير حقيقي ينقذ لبنان من سياسات الفساد والقتل والمتاجرة بالشعارات.

كانت الصرخة من أجل تحقيق العدالة ومحاسبة القتلة عالية، بعيدا من لغة الانتقام، فقط لغة راقية تخاطب العقل والوجدان وتدعو الى الحوار من دون تنازل للمجرم بل محاسبته على فعل جبان لا يعرف سوى المواجهة بكاتم للصوت.

في حديقة دارة محسن سليم تجمع الأحباء حول مثوى لقمان، موسيقى وصلاة وصديقات شريرات نطق باسمهن لقمان في تغريداته على الفيسبوك، منتقدا السياسة بحكمة تثير ضحكة أو تغزل موقفا أو توحي بفكرة.

وللمناسبة، وزعت “مؤسسة لقمان سليم” جوائز من قبل والدة لقمان سلمى مرقاش، ابتكرها سليم مزنّر تحمل عنوان “غار لقمان” وهي مصنوعة من صخر وشمس ومذيّلة بعبارة “صفر خوف”. وأصدرت كرّاساً حمل عنوان “على رؤوس الاشهاد – عام على غدرهم”، يروي كيف اكتشفت الجريمة، ويؤكد أنه “آن أوان العدل”.

كما صدر للمناسبة عن مؤسسة “دار الجديد” كرّاس يحمل عنوان “الباطل يحرركم” ويروي كيف أن لقمان قبل ليلة 3 شباط/ فبراير 2021، ليلة غدر الغادرين وعلى الرغم من انشغالاته أعاد قراءة كتاب “نسوان من لبنان”، للصحافي اسكندر رياشي كما يحلو له أن يقرأ ويكتب ويدوّن الهوامش ويبدع. إنكبّ والفريق على تشكيل الكتاب وأعاد تنسيقه بأسلوب لقماني “أحيا لبنان الرياشي وهو رميم”.

وجاء احياء ذكرى لقمان مترافقا مع موقف كشفت عنه منظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي وصفت التحقيقات بــ “المعيبة” في أربع جرائم اغتيال شهدها لبنان عام 2020 ومنها جريمة اغتيال لقمان سليم، إضافة إلى جرائم قتل لعقيد متقاعد من إدارة الجمارك ومصور عسكري هاو وموظف مصرفي، منتقدة “عدم جدية” قوى الأمن في أداء مهماتها من أجل تعزيز سيادة القانون في بلد تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب.

كان الحضور الديبلوماسي الى جانب اصدقاء لقمان وأهله دليلا على التمسك بكشف فاعلي الجريمة المعروفين ومحاسبتهم. وأكدت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا في كلمة أن لقمان دافع “عن حكم القانون. كان مناضلاً من أجل حرية التعبير والديموقراطية والمشاركة المدنية، لم تخفه أبداً التهديدات المتكرّرة ضده. في حياته، ناضل من أجل العدالة والمساءلة. وفي موته، يستحق هذه الأمور”. وشددت على أن “الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن نرى أن العدالة لم تتحقق بعد وليس هناك مساءلة بعد، معتبرة أن اغتياله لم يكن هجوماً على شخص فحسب، بل كان أيضا هجوما على لبنان نفسه. إن استخدام التهديدات والترهيب لتقويض حكم القانون وإسكات الخطاب السياسي والمعارضة أمر يبقى غير مقبول”.

أضافت: “الآن، أكثر من أي وقت مضى، وفيما نحن نقترب من الانتخابات وفيما يعاني الشعب اللبناني من أزمات متفاقمة، يجب علينا جميعا العمل للتمسك بمبادئ العدالة والمساءلة التي كان لقمان يعمل من أجلها”.

والقت ممثلة الامين العام للأمم المتحدة وسفيرة فرنسا في لبنان آن غاريو ونائبة السفير الألماني السفيرة السويسرية وزوجة لقمان مونيكا برغمان وروني شطح ابن الشهيد محمد شطح كلمات بالمناسبة. كما تحدث الدكتور نصري مسرة وصديقه مكرم رباح الذي اتهم “حزب الله” باغتيال لقمان.

ولوحظ وجود تفتيش أمني واجراءات مشددة على الباب، وحضور كثيف بدأ بالتوافد قبل ساعات من بدء احياء الذكرى.

وألقى العميد خليل حلو كلمة روى فيها أنه في لقائه الاول معه منذ عدة سنوات، “كنا في معرض الحديث عن حقوق الانسان والتوقيفات الاعتباطية والمحاكم الخاصة. انا لم أكن أعرفه في حينه وهو الذي طلب أن نتدارس حول فنجان قهوة، بعد مداخلة لي بحيث كان ايمانه بالكرامة الانسانية واضحا حتى الثمالة. هذه الكرامة التي من دونها تنعدم حرية الانسان ويصاب بتصحر فكري، ويتحول الى عبد لسيد أو لزعيم أو لحزب أو لزاروب مذهبي ضيق، أو لكائن بيولوجي همه الوحيد تأمين حاجاته الاساسية”.

وأكد أن “لقمان كان ثائرا على كل الأحزاب التي تلغي الفكر. وتريح أنصارها منه. تريح أنصارها من الفكر، وتفكر هي عنهم، وتغرقهم في مستنقعات الفكر الواحد البعيد كل البعد عن منطق المحاسبة. لقمان كان ثائرا على الولاء الغريزي، وعلى كل ما يبرز الهويات الدينية والمذهبية. لقمان كان يطلق شرارات تحرك فكر الآخرين”.

أضاف حلو: “تعود بي الذاكرة في هذه المناسبة الى اليوم الذي كنا فيه سويا، في ساحة الشهداء في بدايات ثورة 17 تشرين وتحديدا في 19 كانون الاول 2019. في زاوية من زوايا الساحة ليلا حيث قال لي انه يتعرض هو وعائلته في عقر داره للمضايقات، وان هناك ملصقات على الجدار الخارجي لمنزله كتبت عليها عبارات الشتيمة والتخوين والتهديد. وكان قد أصدر بيانا موقعا بهذا الخصوص، وطلب مني اذا كان بالامكان ابلاغ قيادة الجيش بهذا الامر، كوني ضابط متقاعد، ليحظى بالحد الأدنى من الاهتمام الأمني، أو لكي تقوم القوى الأمنية والعسكرية بخطوات، لكونه كان يعتبر أن هذه القوى الشرعية تحمي الجميع، موالين ومنتفضين، بمن في ذلك أصحاب الفكر. وهذا ما فعلته بالتحديد، لكنني لم أسأل ولم أعرف ما اذا اتخذت اجراءات بهذا الخصوص. وعلى الرغم من هذه التهديدات تابع الصديق لقمان النضال من أجل كرامة الانسان مبرهنا عن شجاعة وجرأة مميزة ساهمت في كسر كل المحرمات أو التابو في صفوف ثورة 17 تشرين”.

وشدد على أن “المواطن لقمان سليم يستحق تحقيقا جديا يليق بكل مواطن صالح”.

وألقت هنا جابر مديرة “مؤسسة لقمان سليم” كلمة قالت فيها: “لأنه كان بحرا من المعرفة، كمواطنة أقول لقمان كان عصارة جيل انقسم صبيانه وبناته، الساعون في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، منهم من تكيف مع البغضاء ودخل في دهاليز الكراهية وأقحم فيها أجيالا من بعده، ومنهم من هاجر صونا لمستقبل أفضل له ولأولاده القادمين، ومنهم من بقوا في هذه البلاد دعاة سلام يقارعون وحوشا لا وجوه لهم. لقمان كان من هؤلاء، آثر المواجهة على الهرب، مفكرا سقراطيا بامتياز، يساهم ويدعو الى السجال والى المساعدة. ميزانه الحقيقة والعدل ومثقاله الكلمة. ولو خُيّر لقمان بين التوبة عما يقوله واجتراع السم كما فعل لاختار اجتراع السم على تشفيع الباطل. لقمان الانسان والمعلم السقراطي هو الذي تحمل المؤسسة اسمه. ونحن اذ نجعل من الاغتيالات السياسية مهمتنا الأساسية في عملنا نمشي أحرار الضمير والكلمة على نهجه ايمانا بأن العدالة وحدها تحررنا”.

وجرى توزيع دفاتر صغيرة تحمل صور لقمان وأخرى لجبور دويهي تكريما له، والدراسة التي أجراها رمزي مسرة عن تغريدات الكراهية ضد لقمان، عن خطاب الكراهية والتي حاز بها على جائزة المؤسسة اذ كان أحد الفائزين الاربعة، وكتيب “صديقتي الشريرة” الذي حوى تعليقات لقمان بالتسلسل الزمني التي كان ينشرها على صفحته على الفيسبوك، وعرضت في المعرض الذي أقيم في الهنغار الى جانب صور أعدها مروان طحطح عن الاغتيالات والقتل وتفجير المرفأ بالنيترات وانقطاع الكهرباء، وصور تعكس الوضع الراهن.

شارك المقال